حمل القران

 حمل القران وورد وPDF.

القرآن الكريم وورد word doc icon تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf

السبت، 8 أكتوبر 2022

كتاب [إبطال التأويلات لأخبار الصفات] القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (المتوفى: 458هـ)

 

المكتبة الإسلامية المكتبة | المؤلفون | مكتبتي | حول الموقع ابطال التاويلات

[إبطال التأويلات لأخبار الصفات] القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (المتوفى: 458هـ)
المحقق: محمد بن حمد الحمود النجدي
الناشر: دار إيلاف الدولية - الكويت
عدد الأجزاء: 2 (في آخر الجزء الثاني تنبيه على أنه يليه الجزء الثالث، ولم يُطبع بعد)
[
ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]///
ـ[إبطال التأويلات لأخبار الصفات]ـ
المؤلف: القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (المتوفى: 458هـ)
المحقق: محمد بن حمد الحمود النجدي
الناشر: دار إيلاف الدولية - الكويت
عدد الأجزاء: 2 (في آخر الجزء الثاني تنبيه على أنه يليه الجزء الثالث، ولم يُطبع بعد)
[
ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]  

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَحْمُودِ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، الْمُتَفَرِّدِ بِالْعِزِّ وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، الْعَالِمِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَعْلُومَاتِ، وَالْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الْمَوْجُودَاتِ، الْمُبْتَدِئِ بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا، الْمُتَكَفِّلِ لِلْبَرِيَّةِ بِأَرْزَاقِهَا، أَحْمَدُهُ حَمْدًا يُرْضِيهِ، وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى حَبْسِ خَوَاطِرِ النَّفْسِ عَنْ هَوَاهَا، وَمَنْعِ بَوَادِرِهَا مِنَ السَّطْوَةِ عَلَى مُرَادِهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِالْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكِونَ، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَسَلَّمَ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّنِي وَقَفْتُ عَلَى حَاجَتِكُمْ إِلَى شَرْحِ كِتَابٍ نَذْكُرُ فِيهِ مَا اشْتُهِرَ مِنَ الأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الصِّفَاتِ، وَصَحَّ سَنَدُهُ مِنْ غَيْرِ طَعْنٍ فِيهِ ما يوهم ظواهرها التشبيه، وَأَذْكُرُ الإِسْنَادَ فِي بَعْضِهَا وَأَعْتَمِدُ عَلَى الْمَتْنِ فِيمَا اشْتُهِرَ مِنْهَا طَلَبًا لِلاخْتِصَارِ وَسَأَلْتُمْ أَنْ أَتَأَمَّلَ مُصَنَّفَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ الَّذِي سَمَّاهُ كِتَابَ تَأْوِيلِ الأَخْبَارِ جَمَعَ فِيهِ هَذِهِ الأَخْبَارَ وَتَأَوَّلَهَا، فَتَأَمَّلْنَا ذَلِكَ وَبَيَّنَّا مَا ذَهَبَ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِهِ، وَأَوْهَمَ خِلافَ الْحَقِّ فِي تَخْرِيجِهِ، وَلَوْلا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمِيثَاقِ عَلَى تَرْكِ كِتْمَانِ الْعِلْمِ، لَقَدْ كَانَ التَّشَاغُلُ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَوْلَى
1 -
لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا بِإِسْنَادِهِ فِيمَا وَقَعَ إِلَيَّ فِي جَوَابَاتِ مَسَائِلَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ قَوْمًا سَأَلُوا النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الرَّبِّ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَلَعَنَهُمْ
2 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكْفَرَ بِاللَّهِ جَهْرَةً " وَذَلِكَ عِنْدَ كَلامِهِمْ فِي رَبِّهِمْ وَفِي تَرْكِ التَّشَاغُلِ بِذَلِكَ كِتْمَانٌ لِلْعِلْمِ  لا يُنَافِي بَيْنَ نَافِي لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ وَهُمُ الْقَدَرِيَّةِ وَبَيْنَ مُثْبِتٍ لِبَعْضِهَا وَنَافٍ لِبَعْضِهَا، وَنَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْكَلامِ فِي ذَلِكَ، مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ بِمَا يُنَافِي مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَجَاءَتْ بِهِ الأَخْبَارُ كَالنَّصَارَى الَّذِينَ وَصَفُوهُ سُبْحَانَهُ بِالْجَوْهَرِ، وَالْمُجَسَّمَةِ الَّذِينَ وَصَفُوهُ بِالْجِسْمِ، وَالْمُشَبَّهَةِ الَّذِينَ شَبَّهُوا صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ
3 -
وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ التَّشْبِيهَ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: الْمُشَبَّهَةُ تَقُولُ: بَصَرٌ كَبَصَرِي، وَيَدٌ كَيَدِي، وَقَدَمٌ كَقَدَمِي، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ
4 -
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يُوسُف بْنِ مُوسَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وَلا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ذَمِّ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَقَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَوَصَفَهُ رَسُولُهُ بِالأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، وَأَثْبَتَ ذَلِكَ سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ، عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَأَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ رَدُّ هَذِهِ الأَخْبَارِ
عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَلا التَّشَاغُلُ بِتَأْوِيلِهَا عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الأَشْعَرِيَّةُ وَالْوَاجِبُ حَمْلُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، وَأَنَّهَا صِفَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى لا تُشْبِهُ سَائِرَ الْمَوْصُوفِينَ بِهَا مِنَ الْخَلْقِ، وَلا نَعْتَقِدُ التَّشْبِيهَ فِيهَا، لَكِنْ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ شَيْخِنَا وَإِمَامِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، أَنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ، فَحَمَلُوهَا عَلَى ظَاهِرِهَا فِي أَنَّهَا صِفَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى لا تُشْبِهُ سَائِرَ الْمَوْصُوفِينَ
5 -
فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِسَالَةِ عَبْدُوسِ بْنِ مَالِكٍ الْعَطَّارِ: يَجِبُ الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ، وَبِالأَحَادِيثِ فِيهِ، وَمِثْلِ أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ كُلِّهَا، وَإِنْ ثَبَتَ عَنِ الأَسْمَاعِ وَاسْتَوْحَشَ مِنْهَا الْمُسْتَمِعُ
6 -
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: وَلا نُزِيلُ عَنْهُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ لِشَنَاعَاتٍ شُنِّعَتْ
7 -
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: أَحَادِيثُ الصِّفَاتِ تَمُرُّ كَمَا جَاءَتْ.

8 - وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: " قَلْبُ الْعَبْدِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ "، " وَخَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ "، وَكُلَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ مِثْلَ هَذَا قُلْنَا بِهِ
9 -
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي الأَحَادِيثِ الَّتِي تُرْوَى: " إِنَّ اللَّهَ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا " وَاللَّهُ يُرَى " وَأَنَّهُ يَضَعُ قَدَمَهُ " وَمَا أَشْبَهُ بِذَلِكَ، نُؤْمِنُ بِهَا وَنُصَدِّقُ بِهَا وَلا كَيْفَ وَلا مَعْنَى وَلا نَرُدُّ شَيْئًا مِنْهَا، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَقٌّ إِذَا كَانَتْ بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ
10 -
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: يَضْحَكُ اللَّهُ، وَلا نَعْلَمُ كَيْفَ ذَلِكَ إِلا بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ وَقَالَ: الْمُشَبَّهَةُ تَقُولُ: بَصَرٌ كَبَصَرِي، وَيَدٌ كَيَدِي، وَقَدَمٌ كَقَدَمِي، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ الأَخْبَارِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ وَلا تَأْوِيلٍ
11 -
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الإِسْلامِ، فَقَالَ: أنا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ، بِأَصْبَهَانَ، أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ النُّهَاوَنْدِيُّ، نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، نا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَعْقُوبَ الْفَارِسِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ: وَقَدْ رَأَيْتُ لأَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْخِلافِ أَسْمَاءً شُنْعَةً قَبِيحَةً يُسَمُّونَ بِهَا أَهْلَ السُّنَّةِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ عَيْبَهُمْ وَالطَّعْنَ عَلَيْهِمْ، وَالْوَقِيعَةَ فِيهِمْ، وَالإِزْرَاءَ بِهِمْ عِنْدَ السُّفَهَاءِ وَالْجُهَّالِ، أَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ أَهْلَ السُّنَّةِ الْمُشَبِّهَةَ، وَكَذَبَ الْجَهْمِيَّةُ أَعْدَاءُ اللَّهِ بَلْ هُمْ أَوْلَى بِالتَّشْبِيهِ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ
12 -
قَالَ: وأنا سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الآدَمِيُّ، نا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: امْتَحَنَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَوْمَ مَرَّةً
مَرَّةً وَامْتَحَنَنِي مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ لِي: مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ قُلْتُ: كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَأَقَامَنِي فَأَجْلَسَنِي فِي نَاحِيَةٍ ثُمَّ سَأَلَنِي ثُمَّ رَدَّنِي ثَانِيَةً فَسَأَلَنِي، فَقُلْتُ: الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَأَخَذَنِي فِي التَّشْبِيهِ، فَقُلْتُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، فَقَالَ لِي: وَمَا السَّمِيعُ الْبَصِيرُ؟ فَقُلْتُ: هَكَذَا قَالَ: السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
13 -
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَخْبَارِ الصِّفَاتِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ: شَهِدْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ سَأَلَ وَكِيعًا، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَذِهِ الأَحَادِيثُ يَعْنِي مِثْلَ: " الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَنَحْوُ هَذَا؟ فَقَالَ وَكِيعٌ: أَدْرَكْنَا إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ، وَسُفْيَانَ، وَمِسْعَرًا يُحَدِّثُونَ هَذِهِ الأَحَادِيثَ وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا.
14 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن اللَّهَ يَضَعُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ "، وَحَدِيثِ " إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ "، وَحَدِيثِ " إِنَّ اللَّهَ يَعْجَبُ وَيَضْحَكُ " فَقَالَ سُفْيَانُ: هِيَ كَمَا جَاءَتْ نقربها وَنُحَدِّثُ بِلا كَيْفَ
15 -
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: سُئِلَ مَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ عَنْ تَفْسِيرِ الأَحَادِيثِ، فَقَالا: أَمِرَّهَا عَلَى مَا جَاءَتْ
16 -
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ الأَوْزَاعِيَّ، وَمَالِكًا، وَسُفْيَانَ، وَلَيْثًا عَنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَةُ، فَقَالُوا: أَمِرُّوهَا بِلا كَيْفَ.
17 -
وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلالُ، فِيمَا خَرَّجَهُ مِنْ أَخْبَارِ الصِّفَاتِ، قَالَ: ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ يَعْنِي: الدَّارَقُطْنِيَّ، وَرَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ الصِّفَاتِ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلامٍ، وَذَكَرَ الْبَابَ الَّذِي يُرْوَى فِي الرُّؤْيَةِ وَالْكُرْسِيِّ، وَمَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ، وَضَحِكِ رَبِّنَا، وَأَيْنَ كَانَ رَبُّنَا، وَيَضَعُ الرَّبُّ قَدَمَهُ فِيهَا، وَأَشْبَاهُ هَذَا، فَقَالَ: هَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، حَمَلَهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَهِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ لا شَكَّ فِيهِ، وَلَكِنْ إِذَا قِيلَ كَيْفَ وَضَعَ قَدَمَهُ وَكَيْفَ ضَحِكَ؟ قُلْنَا: لا نُفَسِّرُ هَذَا وَلا سَمِعْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهَا
18 -
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ لِوَكِيعٍ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَذِهِ الأَحَادِيثُ يَعْنِي: مِثْلَ: " الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ "، وَنَحْوُ هَذَا؟ فَقَالَ وَكِيعٌ: أَدْرَكْنَا إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ، وَسُفْيَانَ، وَمِسْعَرًا يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ وَلا يُفَسِّرُونَ
19 -
وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ الطَّبَرِيِّ فِي كِتَابِ التَّبْصِيرِ فِي مَعَالِمِ الدِّينِ بَعْدَ أَوْرَاقٍ مِنْ أَوَّلِهِ الْقَوْلَ فِيمَا أُدْرِكَ عَمَلُهُ مِنْ صَفَحَاتِ الصَّانِعِ، خَبَرًا لا اسْتِدْلالا، وَذَكَرَ كَلامًا إِلَى أَنْ قَالَ:
وَذَلِكَ نَحْوَ إِخْبَارِ اللَّهِ، تَعَالَى ذِكْرُهُ، أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِقَوْلِهِ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وَأَنَّ لَهُ يَمِينًا بِقَوْلِهِ: {وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا بِقَوْلِهِ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} وَأَنَّ لَهُ قَدَمًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ فِيهَا قَدَمَهُ يَعْنِي: جَهَنَّمَ "، وَأَنَّهُ يَضْحَكُ إِلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: " إِنَّهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ يَضْحَكُ إِلَيْهِ "، وَأَنَّهُ يَهْبِطُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَيَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْوَرَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ "، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَلِكَ، وَأَنَّ لَهُ إِصْبَعًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ قَلْبٍ إِلا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ " بِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الَّتِي وُصِفَتْ وَنَظَائِرَهَا مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهَا رَسُولُهُ مِمَّا لا يُدْرَكُ حَقِيقَةُ عِلْمِهِ بِالْفِكْرِ وَالرُّؤْيَةِ وَلا نُكَفِّرُ بِالْجَهْلِ بِهَا أَحَدًا إِلا بَعْدَ انْتِهَائِهَا إِلَيْهِ
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَوْرَاقٍ: فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ كَيْفَ كُتِبَ؟ وَكَيْفَ تُلِيَ؟ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قُرِئَ؟ فِي السَّمَاءِ وُجِدَ أَمْ فِي الأَرْضِ حُفِظَ؟ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَانَ مَكْتُوبًا أَوْ فِي أَلْوَاحِ صِبْيَانِ الْكَتَاتِيبِ مَرْسُومًا؟ فِي حَجَرٍ نُقِشَ أَوْ فِي وَرَقٍ خُطَّ أَوْ بِاللِّسَانِ لُفِظَ؟ فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ أَوِ ادَّعَى أَنَّ قُرْآنًا فِي الأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ سِوَى الْقُرْآنِ الَّذِي نَتْلُوهُ بِأَلْسِنَتِنَا أَوْ نَكْتُبُه فِي مَصَاحِفِنَا، أَوِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ أَوْ أَضْمَرَهُ فِي نَفْسِهِ وَقَالَهُ بِلِسَانِهِ فَهُوَ بِاللَّهِ كَافِرٌ، حَلالُ الدَّمِ وَبَرِئَ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ مِنْهُ بَرِيءٌ.ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَمَنْ رَدَّ عَلَيْنَا أَوْ حَكَى عَنَّا أَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا وَادَّعَى أَنَّا قُلْنَا غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَغَضَبِهِ وَلَعْنَةُ اللاعِنِينَ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلا قَبَلَ اللَّهُ لَهُ صَرْفًا وَلا عَدْلا، وَهَتَكَ سِتْرَهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الأَشْهَادِ يَوْم لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ، وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ فَهَذَا كَلامُ ابْنِ جَرِيرٍ وَهُوَ مِمَّنْ يُشَارُ إِلَيْهِ وَيُعَوَّلُ عَلَيْهِ
20 -
وَذَكَرَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ الْخُتُّلِيُّ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي عُمَرَ، وَالْبَصْرِيِّ، وَاسْمُهُ سَهْلُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ خَرَّجَ هَذِهِ الأَحَادِيثَ أَحَادِيثَ الرُّؤْيَةِ، وَجَمَعَهَا مِنَ الْبَصْرِيِّينَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ إِخْوَانِهِ: يَا أَبَا سَلَمَةَ،
لَقَدْ سَبَقْتَ إِخْوَانَكَ بِجَمْعِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ فِي الْوَصْفِ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ، يَقُولُ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا دَعَتْنِي نَفْسِي إِلَى إِخْرَاجِ ذَلِكَ إِلا أَنِّي رَأَيْتُ الْعِلْمَ يَخْرُجُ رَأَيْتُ الْعِلْمَ يَخْرُجُ رَأَيْتُ الْعِلْمَ يَخْرُجُ، يَقُولُهَا ثَلاثًا وَهُوَ يَنْفُضُ كَفَّهُ، فَأَحْبَبْتُ إِحْيَاءَهُ وَبَثَّهُ فِي الْعَامَّةِ لِئَلا يَطْمَعَ فِي خُرُوجِهِ أَهْلُ الأَهْوَاءِ
21 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: وَذَكَرَ الأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا الإِثْبَاتُ فِي الصِّفَةِ وَالرُّؤْيَةِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: بِخُرَاسَانَ جَهْمِيَّةٌ، إِذَا أَنْكَرُوا هَذِهِ الأَحَادِيثَ عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: هَكَذَا سَمِعْنَا مَشْيَخَتَنَا يَقُولُونَ
22 -
وَأَخْرَجَ إِلَيَّ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ مَقَالَةً فِي أَخْبَارِ الصِّفَاتِ، فَرَوَى بِإِسْنَادِهِ قَالَ: ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ، قَالَ لإِسْحَاقَ بْنِ رَاهُوَيْهِ: مَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تُحَدِّثُ بِهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَاللَّهُ يَصْعَدُ وَيَتَحَرَّكُ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ وَيَصْعَدَ وَلا يَتَحَرَّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ تُنْكِرُ؟
23 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إِذَا قَالَ لَكَ الْجَهْمِيُّ: كَيْف يَنْزِلُ؟ فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ صَعِدَ؟.

 
24 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيِّ، قَالَ: قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: إِذَا قَالَ لَكَ الْجَهِمُّي: أَنَا كَافِرٌ بِرَبٍّ يَنْزِلُ،
فَقُلْ لَهُ: أَنَا مُؤْمِنٌ بِرَبٍّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ
25 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا شَرِيكٌ بِوَاسِطَ، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّ عِنْدَنَا قَوْمًا يُنْكِرُونَ هَذِهِ الأَحَادِيثَ: الصِّفَاتِ، وَأَنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَقَالَ شَرِيكٌ: إِنَّمَا جَاءَنَا بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ مَنْ جَاءَنَا بِالسُّنَنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا اللَّهَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ
26 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، يَقُولُ: إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ مَنْ يَدْفَعُ أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوُلاةُ الأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَنًا، وَسَنَّ الأَخْذَ بِهَا اتِّبَاعًا لِكِتَابِ اللَّهِ، وَاسْتِكْمَالا لِطَاعَةِ اللَّهِ، وَقُوَّةً عَلَى دِينِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، لَيْسَ لأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ تَفْسِيرُهَا، وَلا النَّظَرُ فِي شَيْءٍ خَالَفَهَا، مَنِ اهْتَدَى بِهَا فَهُوَ مُهْتَدٍ، وَمَنِ اسْتَنْصَرَ بِهَا فَهُوَ مَنْصُورٌ، وَمَنْ تَرَكَهَا اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى، وَأَصْلاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.===
27 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، وَذُكِرَ عِنْدَهُ الْجَهْمِيَّةُ يَنْفُونَ أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ بِشَيْءٍ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: قَدْ هَلَكَ قَوْمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَعْنِي: مِنْ وَجْهِ
التَّعْظِيمِ، قَالُوا: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُنَزِّلَ كِتَابًا أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} ثُمَّ قَالَ: فَهَلْ هَلَكَتِ الْمَجُوسُ إِلا مِنْ جِهَةِ التَّعْظِيمِ، قَالُوا: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ نَعْبُدَهُ، وَلَكِنْ نَعْبُدُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْنَا فَعَبَدُوا الشَّمْسَ وَسَجَدُوا لَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} هَذَا الْكَلامُ أَوْ نَحْوُهُ
28 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَحْمَدَ الْفَارِسِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ، يَقُولُ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلا كَيْفَ
29 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يُنْكِرُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ فَاتَّهِمُوهُ عَلَى الدِّينِ
30 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، فَقَالَ: تَمُرُّ كَمَا جَاءَتْ بِلا كَيْفَ
31 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَسْوَدَ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ: أَحْلِفُ عَلَيْهَا بِالطَّلاقِ وَالْمَشْيِ أَنَّهَا حَقٌّ.======
32 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، أَنَّهُ سَأَلَ وَكِيعًا: يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ فِي الصِّفَاتِ وَالرُّؤْيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَالَ وَكِيعٌ: أَدْرَكْنَا إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ، وَسُفْيَانَ، وَمِسْعَرًا يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ وَلا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا مِنْهَا
33 -
وَقَالَ وَكِيعٌ: سَلِّمْ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الَّتِي فِي الصِّفَاتِ كَمَا جَاءَتْ وَلا
تَقُلْ كَيْفَ كَذَا وَلا مِثْلَ كَذَا مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " إِنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْجِبَالُ عَلَى إِصْبَعٍ "، " وَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ "، وَنَحْوُ هَذِهِ الأَحَادِيثِ نُمِرُّهَا كَمَا جَاءَتْ بِلا كَيْفَ
34 -
وَبِإِسْنَادِهِ قِيلَ لابْنِ عُيَيْنَةَ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تُرْوَى فِي الصِّفَاتِ، فَقَالَ: حَقٌّ عَلَى مَا سَمِعْنَاهَا مِمَّنْ نَثِقُ بِهِ وَنَرْضَاهُ نُمِرُّهَا كَمَا جَاءَتْ بِلا كَيْفَ
35 -
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَأَنَا فِي مَنْزِلِهِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ فَجَعَلْتُ أَلُحُّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ يَأْبَى، فَقُلْتُ: لا بُدَّ أَنْ أَسْأَلَكَ، إِذَا لَمْ أَسْأَلْكَ فَمَنْ أَسْأَلُ؟ فَقَالَ: هَاتِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ: " إِنَّ اللَّهَ يَحْمِلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ "، وَحَدِيثُ: " إِنَّ قَلْبَ بَنِي آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ "، وَحَدِيثُ: " إِنَّ اللَّهَ يَعْجَبُ وَيَغْضَبُ وَيَضْحَكُ " وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، فَقَالَ سُفْيَانُ: هِيَ كَمَا جَاءَتْ نُؤْمِنُ بِهَا وَنُحَدِّثُ بِهَا كَمَا جَاءَتْ بِلا كَيْفَ وَلا تَوَقُّفٍ
36 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ الْهُذَلِيِّ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَتَكَلَّمُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يَسْمَعُ وَلا يَعْجَبُ وَلا يَضْحَكُ وَلا يَغْضَبُ، وَذَكَرَ أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ، وَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ عَلَى بِئْرٍ وَاقِفٍ فَأَلْقُوهُ فِيهَا
37 -
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: مَنْ كَذَّبَ بِأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ فَهُوَ
بَرِيءٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ مِنْهُ بَرِيءٌ
38 -
وَبَإِسْنَادِهِ قَالَ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: مَثَلُ الْجَهْمِيَّةِ مَثَلُ رَجُلٍ قِيلَ لَهُ: فِي دَارِكَ نَخْلَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: فَلَهَا خُوصٌ؟ قَالَ: لا، قِيلَ: فَلَهَا سَعَفٌ؟ قَالَ: لا، قِيلَ: فَلَهَا كَرَبٌ؟ قَالَ: لا، قِيلَ: فَلَهَا جِذْعٌ؟ قَالَ: لا، قِيلَ: فَلَهَا أَصْلٌ؟ قَالَ: لا، قِيلَ: فَلا نَخْلَةَ فِي دَارِكَ هَؤُلاءِ الْجَهْمِيَّةُ قِيلَ لَهُمْ: لَكُمْ رَبٌّ يَتَكَلَّمُ؟ قَالُوا: لا، قِيلَ: فَلَهُ يَدٌ؟ قَالُوا: لا، قِيلَ: فَلَهُ قَدَمٌ؟ قَالُوا: لا، قِيلَ: لَهُ إِصْبَعٌ؟ قَالُوا: لا، قِيلَ: فَيَرْضَى وَيَغْضَبُ؟ قَالُوا: لا، قِيلَ: فَلا رَبَّ لَكُمْ وَإِذَا تُتُبِّعَ كَلامُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا وُجِدَ فِيهِ مَا يَطُولُ شَرْحُهُ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّفْسِيرِ فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدُوسِ بْنِ مَالِكٍ الْعَطَّارِ: وَمِنَ السُّنَّةِ اللازِمَةِ الَّتِي مَنْ تَرَكَ مِنْهَا خَصْلَةً لَمْ يقلها وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا: الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيرَ الْحَدِيثِ وَيُبَلِّغُهُ عَقْلَهُ فَقَدْ كُفِيَ ذَلِكَ وَأُحْكِمَ لَهُ فَعَلَيْهِ الإِيمَانُ وَالتَّسْلِيمُ
39 -
قَالُوا: فَقَوْلُ أَحْمَدَ: وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيرَ الْحَدِيثَ
وَيُبَلِّغُهُ عَقْلَهُ فَقَدْ كُفِيَ ذَلِكَ وَأُحْكِمَ لَهُ مَعْنَاهُ قَدْ كَفَاهُ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَأَحْكَمُوا لَهُ عِلْمَهُ، فَدَلَّ عَلَى التَّفْسِيرِ
40 -
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَغَيْرِهِمَا فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} الْمُرَادُ بِهِ الشِّدَّةُ، وَهَذِهِ تَأْوِيلٌ مِنْهُمْ  

 41 - وَرُوِيَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: " يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا "، فَقَالَ: يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ فَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ، يَظْهَرُ مِنْهُ بِقُدْرَتِهِ قِيلَ: أَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ قَدْ كَفَى ذَلِكَ مَعْنَاهُ: قَدْ كُفِيَ طَلَبُ التَّأْوِيلِ وَالْبَحْثِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ: وَأُحْكِمَ لَهُ مَعْنَاهُ: أُحْكِمَتْ لَهُ الْكِفَايَةُ فِي تَرْكِ الْبَحْثِ وَطَلَبِ التَّأْوِيلِ، وَيُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا مَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَعَلَيْهِ الإِيمَانُ وَالتَّسْلِيمُ، وَالإِيمَانُ وَالتَّسْلِيمُ لا يَكُونُ مَعَ التَّأْوِيلِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ السَّاقِ فَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَحَمَلَ السَّاقَ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ حَدَّ السَّاقِ فِي اللُّغَةِ: الشِّدَّةُ، فَحَكَى قَوْلَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ، لا أَنَّهُ قَصَدَ حِدَّةً فِي الشَّرْعِ وَأَمَّا قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ: يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ أَنَّ النُّزُولَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَعَلَى أَنَّا قَدْ حَكَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ خِلافَ ذَلِكَ 

 =====
فَصْلٌ فِي الدَّلالَةِ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ الاشْتِغَالُ بِتَأْوِيلِهَا وَتَفْسِيرِهَا
مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ آيَ الْكِتَابِ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا مُحْكَمٌ تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ يُفْهَمُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِظَاهِرِهِ وَقِسْمٌ هُوَ مُتَشَابِهٌ لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَلا يُوقَفُ عَلَى مَعْنَاهُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} وَقَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} فَالْوَاوُ هَهُنَا لِلاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَتْ عَاطِفَةً كَذَلِكَ أَخْبَارُ الرَّسُولِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَارِيَةٌ هَذَا الْمَجْرَى وَمُنَزَّلَةٌ عَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ مِنْهَا الْبَيِّنُ الْمُسْتَقِلُّ فِي بَيَانِهِ بِنَفْسِهِ، وَمِنْهَا مَا لا يُوقَفُ عَلَى مَعْنَاهُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لا مُتَشَابِهَ فِي الْقُرْآنِ إِلا وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ، وَالْوَاوُ هَهُنَا لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: {إِلا اللَّهَ} وَقَدْ ذَكَر هَذَا ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِ الْمُشْكِلِ فَسَقَطَ هَذَا الدَّلِيلُ. قِيلَ: هَذَا قَوْلٌ يُخَالِفُ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ
42 -
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَنْبَارِيُّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الإِلْحَادِ: قَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ يَعْنِي: ابْنَ قُتَيْبَةَ، جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: إِنْ تَأْوِيلُهُ إِلا عِنْدَ اللَّهِ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ، وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
كَانَ يَقْرَأُ: وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ قَالَ: وَكَانَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدٍ يَقُولانِ: الرَّاسِخُونَ مستأنفون وَاللَّهُ هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِعِلْمِ التَّأْوِيلِ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ، يَقُولُ: الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} ، وَالابْتِدَاءُ {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}

 43 - وَيُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُظَفَّرِ الْحَافِظُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ: حَلالٌ وَحَرَامٌ لا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِالْجَهَالَةِ بِهِ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعَرَبُ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ، وَمُتَشَابِهٌ لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ، مَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ فَهُوَ كَاذِبٌ " وَلأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} وَمَعْنَاهُ: صَدَّقْنَا بِهِ لأَنَّ الإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَلَمْ يَقُلْ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ عَلِمْنَا بِهِ، فَلَمْ يَقْتَضِ الْعَطْفُ الْمُشَارَكَةَ فِي الْعِلْمِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: مَا يَعْلَمُ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ إِلا زَيْدٌ وَعُمَرُ، يَقُولُ: آمَنَّا بِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُصَدِّقٌ لَهُ، وَلا يَقْتَضِي مُشَارَكَتَهُ فِي الْعِلْمِ، وَلأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْوَاوُ عَاطِفَةً فِي الْمُشَارَكَةِ فِي الْعِلْمِ احْتَاجَ الْكَلامُ إِلَى إِضْمَارِ وَاوٍ أُخْرَى، فَتَقْدِيرُهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَيَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ وَالإِضْمَارِ تَرْكُ حَقِيقَةٍ
44 -
وَقَدْ ذَكَر أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَطَّابِ الْبُسْتِيُّ هَذَا السُّؤَالَ فِي كِتَابِ الْغُنْيَةِ عَنِ الْكَلامِ فَقَالَ: أَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ مِنَ الْقُرْآنِ قَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ فَلا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ قَالَ: وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوَقْفَ التَّامَّ فِي هَذِهِ الآيَةِ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} وَمَا بَعْدَهُ اسْتِئْنَافُ كَلامٍ آخَرَ، وَحَكَى فِي ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، وَقَالَ: وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَحْدَهُ أَنَّهُ نَسَقَ الرَّاسِخِينَ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَزَعَمَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ وَأَجَابَ بِجَوَابٍ آخَرَ، فَقَالَ: لا يَجُوزُ أَنْ يَنْفِيَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، شَيْئًا عَنِ الْخَلْقِ وَيُثْبِتُهُ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ شَرِيكٌ، أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} ، وَقَوْلِهِ: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} ، وَقَوْلِهِ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} فَكَانَ هَذَا كُلُّهُ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ لا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ كَذَلِكَ هَهُنَا قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ الإِيمَانُ بِمَا لا نُحِيطُ عِلْمًا بِحَقِيقَتِهِ، وَنَصِفُهُ بِشَيْءٍ لا دَرَكَ لَهُ فِي عُقُولِنَا؟ قِيلَ: قَدْ أُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَبِالْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا وَبِالنَّارِ وَأَلِيمِ عَذَابِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّا لا نُحِيطُ عِلْمًا بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَإِنَّمَا
كُلِّفْنَا الإِيمَانَ بِهَا جُمْلَةً أَلا تَرَى أَنَّا لا نَعْرِفُ أَسْمَاءَ عِدَّةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ وَلا نُحِيطُ بِصِفَاتِهِمْ، ثُمَّ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِيمَا أُمْرِنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِهِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ: " يَقُولُ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ " إِلَى هَاهُنَا كَلامُ أَبِي سُلَيْمَانَ.
45 -
وَقَدْ أَجَابَ قَوْمٌ آخَرُونَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَجْوِبَةٍ أُخَرَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْوَاوُ عَاطِفَةً وَالرَّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُتَشَابِهٌ وَكَانَ جَمِيعُهُ مُحْكَمًا، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ فِيهِ مُحْكَمًا وَفِيهِ مُتَشَابِهًا، وَالْمُتَشَابِهُ مَا احْتَاجَ إِلَى بَيَانٍ وَلأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْوَاوُ عَطْفًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ لَكَانَ تَقْدِيرِ الْكَلامِ: اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، وَلا يَجُوزُ إِضَافَةُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى اللَّهِ وَلأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَاطِفَةً عَلَى اسْمِ اللَّهِ لَحَصَلَ قَوْلُهُ: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} مُبْتَدَأً، وَلا يَصِحُّ الابْتِدَاءُ بِهِ لأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ، وَإِذَا كَانَتِ الْوَاوُ لِلاسْتِئْنَافِ حَصَلَ الْمُبْتَدَأُ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} فَيَكُونُ كَلامًا مُفِيدًا لأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا قَبْلَهُ وَلأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ مَنْ وُكِّلَ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى عَالِمِهِ بِقَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وَلَوْ شَرِكُوهُ فِي عِلْمِهِ
لَكَانَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَلأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} وَلَوْ كَانُوا يَشْرَكُونَهُ سُبْحَانَهُ فِي عِلْمِ جَمِيعِ الأَشْيَاءِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْبٌ يُؤْمِنُونَ بِهِ لأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ وَغَيْرُ مُمْتَنِعٌ صِحَّةُ الإِيمَانِ بِمَا لا نَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ كَإِيمَانِهِ بِالْمَلائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا لَمْ نَعْلَمْ تَأْوِيلَهُ لَمْ يُفِدِ الْخِطَابَ فَائِدَةً، كَمَا إِذَا خَاطَبَ الْعَرَبِيُّ بِالزِّنْجِيَّةِ قِيلَ: فِيهِ فَائِدَةٌ وَهُوَ اخْتِبَارُ الْعِبَادِ لِيُؤْمِنَ بِهِ الْمُؤْمِنُ فَيَسْعَدَ، وَيَكْفُرَ بِهِ الْكَافِرُ فَيَشْقَى لأَنَّ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِ إِذَا قَرَأَ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَنْ يُصَدِّقَ رَبَّهُ وَلا يَعْتَرِضَ فِيهِ بِسُؤَالٍ وَإِنْكَارٍ فَيَعْظُمَ ثَوَابُهُ
46 -
وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُفَسَّرًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَا آمَنَ مُؤْمِنٌ أَفْضَلَ مِنْ إِيمَانٍ بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} وَلَئِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا لا يُفِيدُ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَمْرَنَا بِالإِيمَانِ بِمَلائِكَتِه وَرُسُلِهِ وَنَعِيمِ الْجَنَّةِ لا يُفِيدُ لأَنَّا لا نَعْلَمُهُ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجَدْنَا أَحَدًا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَقَفَ عَلَى تَفْسِيرِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ بَلْ مَضَوْا فِي تَفْسِيرِهِ كُلِّهِ حَتَّى فَسَّرُوا الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِثْلَ: الم وحم وص وق. قِيلَ: هَذَا وَهْمٌ عَلَى السَّلَفِ لأَنَّ الأَجِلاءَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْعِلْمِ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الآيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ فَلا يُجِيبُونَ عَنْهَا، وَيَقُولُونَ: مَا نَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا مِنْهُمْ
:
أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ
47 -
أما أَبُو بكر ذكر الأب عنده فقيل له: هو الرعي، واختلفوا فيه، فقال: لا تختلفوا أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت فِي كتاب الله بما لا أعلم
48 -
وَقَالَ حميد، عن أنس: تلى عمر عَلَى المنبر: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فقال: هَذِهِ الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم رجع عَلَى نفسه فقال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هَذَا لهو التكلف. ========
49 -
وعن ابن أَبِي مليكة قَالَ: دخلت عَلَى ابن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان، فقال له عبد الله: يا أَبَا العباس {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} أي يوم هَذَا؟ فقال ابن عباس: من أنت؟ فانتسب له فلما عرفه قَالَ: مرحبا بك، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} أي يوم هَذَا؟ قَالَ: أنا سألتك يا ابن العباس لتخبرني؟ قَالَ: أيام سماها الله، عَزَّ وَجَلَّ، هو أعلم بها كيف تكون، أكره أن أقول فِي كتاب الله، عَزَّ وَجَلَّ، بما لا أعلم
والذي فسره بعض المفسرين مما توقف ابن عباس فإنه لم يذكر مراد الله فيها بل قَالَ: يظهر لي فيها كذا، ويسنح كذا والله هو العالم بالتأويل فإن قيل: فقد قَالَ: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} قيل كما قَالَ: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} ولم تدمر السموات والأرض، وَقَالَ: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ولم تؤت مثل فرج الرجل ولحيته.

 (صفحة 32)

  فإن قيل: إذا لم يدخل الراسخون مع الله فِي العلم لم يكن لهم فضل عَلَى من لم يرسخ فِي العلم، لأن كل المسلمين يقولون آمنا به قيل: فضل الراسخين عَلَى غيرهم أنهم يعرفون الأحكام المحكمات مالا يعرفه غيرهم، وقد قيل: إن فضيلتهم تحصل بإيمانهم بالغيب عَلَى من لم يؤمن به، وقد قَالَ تَعَالَى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} وهذا يدل عَلَى أن هناك من لم يؤمن به فكانت فضيلتهم بالإيمان به فإن قيل: فنسلم لكم فِي القرآن مالا يعلم تأويله غير الله، لكن فائدته التلاوة التي هي طاعة وهي مندوب إليها يثاب عَلَى فعلها، فأما الأخبار فمتى لم يعرف معناها بلغة العرب عريت عن فائدة، لأنها لا تفيد عملا ولا تثبت علما ولا ثواب فِي فعلها قيل: لا تعرى عن فائدة لما بينا فيما قبل وهو اختبار العباد ليؤمن به المؤمن فيسعد، ويكفر به الكافر فيشقى، لأن سبيل المؤمن أن يصدق بما جاء به الرسول
50 -
ودليل آخر ما روى أَبُو هُرَيْرَةَ وعبد الله بن عمرو، عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يحمل هَذَا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " فوجه الدلالة أنه منع التأويل فِي ذَلِكَ.
http://books.islam-db.com/images/firstpage.pnghttp://books.islam-db.com/images/previouspage.png
http://books.islam-db.com/images/nextpage.pnghttp://books.islam-db.com/images/lastpage.png
طور بواسطة نورين ميديا © 2015
========
ابطال التاويلات (
صفحة 34)
http://books.islam-db.com/images/firstpage.pnghttp://books.islam-db.com/images/previouspage.png
http://books.islam-db.com/images/nextpage.pnghttp://books.islam-db.com/images/lastpage.png
فإن قيل: إنما منع تأويل الجاهلين ولسنا جهالا بالتأويل قيل: بل الجهالة حاصلة بالتأويل بدليل ما تقدم من قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} دليل آخر عَلَى إبطال التأويل: أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين حملوها عَلَى ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغا لكانوا أسبق لما فيه من إزالة التشبيه، ورفع الشبهة، بل قد روي عنهم ما دل عَلَى إبطاله
51 -
فروى أَبُو بكر الخلال بإسناده عن أم سلمة أنها قالت فِي قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قالت: كيف غير معقول، والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان، والجحود به كفر فقد صرحت بالقول بالاستواء غير معقول وهذا يمنع تأويله عَلَى العلو وعلى الاستيلاء.
http://books.islam-db.com/images/firstpage.pnghttp://books.islam-db.com/images/previouspage.png
http://books.islam-db.com/images/nextpage.pnghttp://books.islam-db.com/images/lastpage.png
====
ابطال التاويلات (
صفحة 35)
http://books.islam-db.com/images/firstpage.pnghttp://books.islam-db.com/images/previouspage.png
http://books.islam-db.com/images/nextpage.pnghttp://books.islam-db.com/images/lastpage.png
52 -
وروى سعيد الجريري، عن سيف السدوسي، عن عبد الله بن سلام قَالَ: إذا كان يوم القيامة جيء بنبيكم، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقعد بين يدي الله، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى كرسيه، قَالَ: فقلت: يا أَبَا مسعود إذا كان عَلَى كرسيه أليس هو معه؟ قَالَ: ويلكم هَذَا أقر حديث فِي الدنيا لعيني وفي لفظ آخر قَالُوا للجريري: إذا كان عَلَى الكرسي هو معه؟ قَالَ: نعم، ويلكم هو معه، هو معه فقد صرح بالأخذ بالحديث عَلَى ظاهره وأنكر عَلَى من يرد
53 -
وكذلك حَمَّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قَالَ: قرأ رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قَالَ: " وضع إبهامه عَلَى قريب من طرف أنملة خنصره فساخ الجبل "، قَالَ حميد لثابت: تقول هَذَا فدفع ثابت يده فضرب بها صدر حميد، وَقَالَ: يقوله رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقوله أنس وأنا أكتمه وفي لفظ آخر، قَالَ: فضرب صدره ضربة شديدة، وَقَالَ: من أنت يا حميد
====
وما أنت يا حميد يحدثني به أنس بن مالك، عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تقول أنت ما تريد
54 -
وروى أن قتادة بن النعمان دخل عَلَى أَبِي سعيد يعوده فوجده مستلقيا رافعا رجله اليمنى عَلَى اليسرى، فقرص النعمان رجل أَبِي سعيد قرصة شديدة، فقال أَبُو سعيد: سبحان الله يا ابن أخي أوجعتني قَالَ: ذاك أردت إن رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إن الله لما قضى خلقه استلقى ثم رفع إحدى رجليه عَلَى الأخرى، ثم قَالَ: لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل هَذَا "، فقال أَبُو سعيد: لا جرم والله لا أفعله فإن قيل: أليس قد أنكر بعضهم عَلَى أَبِي مسعود وعلى الجريري وعلى ثابت فقد حصل خلاف بينهم قيل: لما أمسكوا عن الجريري وعن أَبِي مسعود دل عَلَى أنهم أجابوا إلى ذَلِكَ.
===
http://books.islam-db.com/images/lastpage.png
55 -
دليل آخر عَلَى إبطال التأويل: أن أَبَا الحسن الأشعري وأصحابه مثل أَبِي بكر بن الباقلاني، وأبي بكر بن فورك وأبي علي بن شاذان قد أثبتوا صفاتا لم يعقلوا معناها ولم يحملوها عَلَى مقتضى اللغة كالوجه واليدين والعين، ولم يحملوا الوجه عَلَى جملة الذات، واليدين عَلَى النعمتين، ولا العين عَلَى المرأى بل أثبتوها صفات ذات، لورود الشرع بها، وقد صرحوا بهذا فِي كتبهم ورأيت بعضهم يأبى ذَلِكَ ويتأول هَذِهِ الصفات، وهذا القائل يتشاغل بالكلام معه فِي هَذِهِ الصفات، فإذا ثبت الكلام فيها بنينا الأخبار عَلَى ذَلِكَ
56 -
دليل آخر عَلَى إبطال التأويل، وذلك أن من حمل اللفظ عَلَى ظاهره حمله عَلَى حقيقته، ومن تأوله عدل به عن الحقيقة إلى المجاز، ولا يجوز إضافة المجاز إلى صفاته.
=====
فإن قيل خبر الواحد إنما فيما طريقة العمل وأما فيما طريقة الاعتقاد والقطع فلا قيل: هَذِهِ وإن كانت أخبار آحاد فإن الأمة قد تلقتها بالقبول، منهم من حملها عَلَى ظاهرها وهم أصحاب الحديث
، ومنهم من تأولها وتأويلها قبول لها فإن قيل: فهل تكفرون من ردها أو تأولها؟
57 -
قيل: قد قَالَ أَحْمَد فِي رواية أَبِي طالب: من قَالَ إن الله خلق آدم عَلَى صورة آدم فهو جهمي، وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه
58 -
وَقَالَ فِي رواية المروزي وقد سأله عن عبد الله التيمي فقال: صدوق، ولكن حكي عنه أنه ذكر حديث الضحاك فقال: مثل الزرع وهذا كلام الجهمية
59 -
وَقَالَ فِي رواية الأثرم: وقد سأل أَحْمَد حدث محدث وأنا عنده بحديث: " يضع الرحمن قدمه فيها " وعنده غلام فأقبل عَلَى الغلام فقال: إن لهذا تفسيرا، فقال أَبُو عبد الله: أنظر إليه كما تقول الجهمية سواء فقد أطلق القول بأنه جهمي، وقد كفرهم ببعض أقوالهم ولم يكفرهم ببعض.
=
60 -
فقال فِي رواية المروزي: وقد سأله عن القدري فلم يكفره إذا أقر بالعلم
61 -
وَقَالَ فِي رواية حنبل: من قَالَ بالقدر وعظم المعاصي فهو أقرب مثل الحسن.///
ذكر الأخبار
62 -
مِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ الْخَيَّاطُ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الْمَوْصِلِيُّ السَّكُونِيُّ، قَالَ: نا أَبُو مُزَاحِمٍ مُوسَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الْمُقْرِئُ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: نا ابْنُ عَجْلانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، وَلا يَقُلْ: قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ "
63 -
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الْمَوْصِلِيُّ السَّكُونِيُّ، قَالَ: نا أَبُو مُزَاحِمٍ مُوسَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ الْمُقْرِئُ، قَالَ: نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: نا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: نا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا
=
تُقَبِّحُوا الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ " وذكره الدارقطني فِي جملة أخبار الصفات
64 -
وحدثنا أَبُو مُحَمَّد الحسن
بن مُحَمَّد فيما خرجه من أخبار الصفات، عن ابن شاهين، قَالَ: حَدَّثَنَا زيد بن مُحَمَّد الكوفي قاله، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن منصور المدني، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسحاق المسيبي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سهل سعد بن سعيد بن أَبِي سعيد المقبري، عن أخيه عبد الله، عن أبيه، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أن رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إذا ضرب أحدكم مملوكه فليتق وجهه فإن الله إنما خلق آدم عَلَى صورة نفسه "
65 -
وروى أَبُو حفص بن شاهين فِي سننه بإسناده، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه، فإن الله خلق وجه آدم عَلَى صورته
=
66 -
وروى عبد الرحمن بن منده فِي كتاب الإسلام بإسناده، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم عَلَى صورته وجهه من الطين " أعلم أن هَذَا حديث صحيح
67 -
قَالَ أَحْمَد فِي رواية ابن منصور: " لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم عَلَى صورته " وإذا ثبت صحته فغير ممتنع الأخذ بظاهره من غير تفسير ولا تأويل وقد نص عليه أَحْمَد فِي رواية يعقوب بن بختان: " خلق آدم عَلَى /// صورته " لا نفسره كما جاء الحديث
فقدم صرح بالقول بالأخذ بظاهره والكلام فيه فِي فصلين أحدهما: جواز إطلاق تسمية الصورة عليه سُبْحَانَهُ وقد ذكره ابن قتيبة فِي مختلف الحديث، فقال: الذي عندي والله أعلم أن الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، إنما وقع الألف لمجيئها فِي القرآن، ووقعت الوحشة من هَذِهِ لأنها لمن تأت فِي القرآن ونحن نؤمن بالجميع هَذَا كلام ابن قتيبة.
==
الفصل الثاني: فِي إطلاق القول بأنه خلق آدم عَلَى صورته وأن الهاء راجعة عَلَى الرحمن
68 -
وقد روى أَبُو عبد الله بن منده بإسناده، عن إسحاق بن راهويه، قَالَ: قد صح عن رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: " إن آدم خلق عَلَى صورة الرحمن " وإنما علينا أن ننطق به والوجه فيه أنه ليس فِي حمله عَلَى ظاهره ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه، لأننا نطلق تسمية الصورة عليه لا كالصور كما أطلقنا تسمية ذات ونفس لا كالذوات والنفوس يبين صحة هَذَا أن الصورة ليست فِي حقيقة اللغة عبارة عن التخاطيط وإنما هي عبارة عن حقيقة الشيء، ولهذا يَقُول عرفني صورة هَذَا الأمر ///
ويطلق القول فِي صورة آدم عَلَى صورته سُبْحَانَهُ لا عَلَى طريق التشبيه فِي الجسم والنوع والشكل والطول لأن ذَلِكَ مستحيل فِي صفاته وإنما أطلقنا حمل إحدى الصورتين عَلَى الأخرى تسمية لورود الشرع بذلك عَلَى طريق التعظيم لآدم كما قَالَ تَعَالَى فِي أزواج النبي: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وليس بأمهات فِي الحقيقة لكن عَلَى وجه التعظيم، ولأن فيه معنى ينفرد به من بين سائر ذريته، وهو أنه لما وجد حيا كان كاملا لم ينتقل من حال صغر إلى كبر، ومن حال ضعف إلى قوة، ومن حال جهل إلى علم، كذلك الله تَعَالَى فِي حال وجوده كاملا لم ينتقل من
نقص إلى كمالا، ولا يجوز أن يقال أن هَذَا المعنى موجود فِي خلق حواء وفي الملائكة لأنه وإن كان خلقهم عَلَى ذَلِكَ فآدم أكمل منهم لأن الله أسجدهم له، ولأنه قَالَ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ولأن حواء ناقصة بالأنوثية وليس فِي حمل إحدى الصورتين عَلَى الأخرى ما يوجب المساواة كما قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} ومعلوم أن آدم أفضل لأنه لم يخلق من نطفة، ولا اشتمل عليه رحم وعيسى وجد فِي ذَلِكَ، وكما قَالَ تَعَالَى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ، وَقَالَ: {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ، {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وَقَالَ: {هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} ولفظه أحسن وأرحم عَلَى وزن أفعل ولفظة أفعل تقتضي الاشتراك فِي الشيء، وقد شرك بينه وبين خلقه فِي هَذِهِ الصفات كذلك لا يمتنع الاشتراك فِي الصورة
69 -
وقد روي عن ابن عباس ما دل أن الهاء راجعة عَلَى الرحمن، ذكره إسحاق بن بشر القرشي فِي كتاب المبتدأ بإسناده، عن ابن عباس، أن ملك ///////
الروم كتب إلى معاوية يسأله عن مسائل منها: أخبرني عن أكرم رجل عَلَى الله، فانفذ بها معاوية إلى ابن عباس فقال: أكرم رجل عَلَى الله آدم خلقه بيده، ونحله صورته، ونفخ فيه
من روحه، واسجد له ملائكته، وأسكنه جنته فقد نص عَلَى أنه نحله صورته فإن قيل: فصفوه بالجسم لا كالأجسام قيل: لا نصفه بذلك لأن الشرع لم يرد بذلك، وهذا كما وصفته أنت بأن له نفسا وحياة، ولا نصفه بأنه جسم وكذلك نصفه بأنه ذات وشيء ولا نصفه بأنه جسد فإن قيل: الهاء عائدة عَلَى المضروب لأن الخبر ورد عَلَى سبب
70 -
وذلك أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مر برجل يضرب ابنه أو عبده فِي وجهه لطما، ويقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فقال النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ضرب أحدكم عبده فليتق الوجه فإن الله خلق آدم عَلَى صورته " يعني المضروب. ///قيل: هَذَا غلط لوجهين: أحدهما: أن هَذَا يسقط فائدة التخصيص بآدم لأن آدم وغيره من الأنبياء والبشر مخلوقون عَلَى صورة المضروب بمعنى أن له وجها، //////////
193 -
وما أسقط فائدة التخصيص سقط فِي نفسه والثاني: أن فِي اللفظ " خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " فإن قيل: إنما خص آدم بالذكر، لأنه هو الذي ابتديت خلقة وجهه عَلَى الحد الذي يحتذى عليها من بعده، كأنه عَلَى وجهه المبالغة فِي الردع له عن ذَلِكَ قيل: لو كان القصد المبالغة لقال: فإن الله خلق مُحَمَّد عَلَى صورته لأنه أفضل من آدم، فلما خص
آدم بالذكر دل عَلَى أنه لمعنى فيه وجواب آخر: وهو أنه قد روي فِي لفظ آخر: " عَلَى صورة الرحمن وعلى صورة نفسه " وهذا يمنع حمله عَلَى المضروب فوجب أن يقضى بالمقيد عليه فإن قيل: الهاء ترجع عَلَى آدم ويكون رجوعها عليه لوجوه: أحدها: أن يعرفنا أنه خلق فِي الجنة عَلَى الصورة التي كان عليها فِي الدنيا لم يغير الله خلقته، ويكون فائدة ذَلِكَ تعريفنا الفرق بينه وبين سائر من أخرجه من الجنة معه من الحية والطاووس، فإنه عاقب الحية وشوه خلقها وسلبها قوائمها وجعل أكلها التراب وشوه رجلي الطاووس، ولم يشوه خلقة آدم بلى أبقى له حسن الصورة فعرفنا بذلك أنه كان فِي الجنة عَلَى الصورة التي هو عليها ===========
قيل: هَذَا لا يصح لوجوه أحدها: أنه روي ما دل عَلَى تغير خلقه عن الصفة التي كانت عليها
71 -
حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا أَبُو الْفَتْحِ الْقَوَّاسُ وَلَنَا مِنْهُ إِجَازَةٌ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادٍ، نا أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ، قَالَ: نا أَبُو صَالِحِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَذِيُّ، قَالَ: نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ، نا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ آدَمَ لَمَّا هَبَطَ إِلَى الْهِنْدِ وَرَأْسُهُ يَكَادُ يَنَالُ السَّمَاءَ، وَأَنَّ الأَرْضَ شَكَتْ إِلَى رَبِّهَا ثِقَلَ آدَمَ قَالَ: فَوَضَعَ الْجَبَّارُ، جَلَّ اسْمُهُ، يَدَهُ عَلَيْهِ فَانْحَطَّ سَبْعِينَ بَاعًا، وَهَبَطَ مَعَهُ الْفَحْلُ وَالأُتْرُجُّ وَالْمَوْزُ، قَالَ أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ: يَقُولُونَ: الْفَحْلُ الذَّكَرُ مِنَ النَّخْلِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَغَيُّرِ خِلْقَتِهِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ وجواب آخر: وهو أن هَذَا يسقط فائدة التخصيص لأن حواء لم يغير خلقها لما أخرجها من الجنة فوجب أن يكون لهذا التخصيص فائدة جواب آخر: وهو أنه قد روي: " خلق آدم عَلَى صورة الرحمن "، وهذا يمنع رجوع الهاء عَلَى آدم فإن قيل: فالهاء عائدة عَلَى آدم، ويكون المراد به أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أفادنا بذلك إبطال قول أهل الدهر إنه لم يكن إنسان إلا من نطفة ولا نطفة إلا من إنسان فيما مضى، ويأتي وليس لذلك أول ولا آخر وإن الناس إنما ينقلون من نشوء إلى نشوء عَلَى ترتيب معتاد
، فعرفنا تكذيبهم، وأن آدم خلق عَلَى صورته التي شوهد عليها من غير أن كان عن نطفة قبله وعن تناسل، أو تنقل من صغر إلى كبر كالمعهود من أحوال أولاده قيل: هَذَا غلط لأنه يسقط فائدة التخصيص بآدم لأن الملائكة خلقوا من غير نطفة ولا تناسل وكذلك عيسى خلق من غير نطفة قبله وغير تناسل، وقد قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} //////////////
ولأنا قد استفدنا إبطال قول الدهرية من غير هَذَا الموضوع وهو قوله خلقته من طين وجواب آخر: وهو أنه قد روي: " خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " وهذا يمنع رجوع الهاء عَلَى آدم، فإن قيل: الهاء عائدة عَلَى آدم ويكون فائدته إعلامنا أنه لم يكن حادثا عن توليد عنصر أو تأثير طبع أو فلك أو ليل أو نهار إبطالا لقول الطبائعيين، أن بعض ما كان عليه آدم من هيئاته وصورته لم يخلقه الله، عَزَّ وَجَلَّ، بل كان فعل الطبع أو تأثير فلك، فبين بذلك أن الله تَعَالَى هو الخالق لآدم عَلَى ما كان فيه من الصور والتركيب، وإبطالا لقول القدرية أن من صفات آدم ما لم يخلقه الله وإنما خلقها آدم لنفسه قيل: هَذَا غلط لما بينا وهو أنه يسقط فائدة التخصيص بآدم لأن بقية البشر هَذَا
المعنى موجود فيهم، وأن الله تَعَالَى هو الخالق وأنه لا صنع للطبيعة فيها والفلك فيه، ولأنه قد روي فِي لفظ آخر: " خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " فإن قيل: إنما خص آدم بذلك تنبيها عَلَى أن من شاركه من المخلوقات فِي معناه، قيل: هَذَا غلط لما بينا من أن خلق عيسى فِي معنى خلق آدم بقوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} فلا معنى لتخصيصه بذلك، ولأن قوله: " خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " يمنع من ذَلِكَ فإن قيل: الهاء عائدة عَلَى آدم ويكون فائدة إشارة إلى ما تقدم أن الله خلق السعيد سعيدا والشقي شقيا، فلما خلق آدم وقد علم أنه يعصي ويخالف، وكتب ذَلِكَ عليه قبل أن يخلقه عرفنا ما سبق من قضائه وأنه هكذا خلقه عَلَى ما علم منه قيل: هَذَا غلط لما بينا أنه يسقط فائدة التخصيص بآدم لأن ولد آدم مخلوق عَلَى ما سبق قضائه من الشقاء والسعادة ولأنه قد روي فِي لفظ آخر: " خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " فإن قيل: عود الهاء عَلَى آدم أولى لأنه أقرب المذكور، قيل: الهاء قد تعود تارة إلى الأقرب وتارة إلى الأبعد، قَالَ تَعَالَى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ =========
وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ} فالهاء فِي قوله: وَتُسَبِّحُوهُ سورة الفتح
آية عائدة عَلَى اسم الله تَعَالَى، وإن كان أبعد فِي اللفظ وذكر الرسول أقرب، ولأنه لو قَالَ قائل: ولد لفلان، ولد عَلَى صورته، عقل من ذَلِكَ صورة الأب وإن كان هو الأبعد فِي الخطاب، ولم يرجع ذَلِكَ إلى صفة الولد وإن كان هو الأقرب
72 -
وقد صرح أَحْمَد بإبطال القول أن الهاء عائدة عَلَى آدم، فقال فِي رواية أَبِي طالب: من قَالَ أن الله خلق آدم عَلَى صورة آدم فهو جهمي، وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه
73 -
وقد ذكر عبد الرحمن بن منده فِي كتاب الإسلام فقال: قَالَ أَبُو إسحاق إبراهيم بن أَحْمَد بن فراس فِي كتابه، عن حمدان بن علي، قَالَ: سمعت أَحْمَد بن حنبل يَقُول وسأله رجل فقال: يا أَبَا عبد الله، الحديث الذي روي عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن الله خلق آدم عَلَى صورته " عَلَى صورة آدم قَالَ: فقال أَحْمَد بن حنبل: فأين الذي يروى عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن الله تَعَالَى خلق آدم عَلَى صورة الرحمن، عَزَّ وَجَلَّ، "، ثم قَالَ أَحْمَد: وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلق
74 -
قال: وأنا علي بن يحيى بن جعفر الإمام، قَالَ: أنا الطبراني، قَالَ: سمعت عبد الله بن أَحْمَد بن حنبل يَقُول
:
قَالَ رجل لأبي: إن فلانا يَقُول فِي حديث رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خلق آدم عَلَى صورته " فقال: عَلَى صورة الرجل، قَالَ أَبِي: كذب هَذَا، هَذَا قول الجهمية، وأي فائدة فِي هَذَا====
75 -
قال: وروي إسماعيل بن أَحْمَد أَبُو سعد فِي كتاب السنة عن عبد الله بن أَحْمَد بن حنبل، قَالَ: كنا بالبصرة عند شيخ فحدثنا بحديث النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله، عَزَّ وَجَلَّ، خلق آدم عَلَى صورته "، فقال الشيخ: تفسيره: خلقه عَلَى صورة الطين، فحدثت بذلك أَبِي رحمه الله فقال: هَذَا جهمي أو قَالَ: هَذَا كلام الجهمية
76 -
وقد ذكر أَبُو مُحَمَّد بن حيان الأصبهاني فِي مجموع له فِي التفسير فِي سورة حم عسق بخط أَبِي مالك المكي، فقال صاحب الكتابة، عن حمدان بن الهيثم المديني، سمعت أَبَا مسعود يَقُول: قَالَ أَحْمَد بن حنبل: معنى ========
حديث النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خلق آدم عَلَى صورته "، قَالَ: صور آدم قبل خلقه ثم خلقه عَلَى تِلْكَ الصورة، فإما أن يكون الله خلق آدم عَلَى صورته، وقد قَالَ الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ولا نقول إن الله يشبهه شيء من خلقه، ولا يخفى عَلَى
الناس أن الله خلق آدم عَلَى صورة آدم ولا يجوز أن يقال: لله كيف لأن الله لا يوصف بصفة الإنسان وقد قَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فذاك ربنا، عَزَّ وَجَلَّ، ليس كمثله أحد من خلقه
77 -
قَالَ أَبُو طالب المكي: هَذَا توهم عن أَحْمَد إنما هَذَا قول أَبِي ثور فذكر ذَلِكَ لأحمد فأنكر عليه وَقَالَ: ويله وأي صورة كانت لآدم حتى خلقه عليها يَقُول: إن الله خلق عَلَى مثال، ويله فكيف يصنع بالحديث الآخر: " أن الله خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " فهذا هو المحفوظ من قول أَحْمَد، وإنما التبس القولان فنسب ذَلِكَ إلى أَحْمَد لأن أَبَا ثور كان سئل عن قوله: " خلق آدم عَلَى صورته " فقال: الهاء عائدة عَلَى آدم فإن قيل: الزيادة المذكورة فِي حديث ابن عمر: " خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " غير صحيحة، وقد قَالَ أَحْمَد في رواية المروذي: الأعمش يَقُول: عن حبيب بن أَبِي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر: " إن الله خلق آدم عَلَى صورة الرحمن "، وأما الثوري فيوقفه يعني حديث ابن عمر، وقد رواه أَبُو الزناد، عن الأعرج، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَلَى صورته "
بعضهم
وقفه وبعضهم وصله، قيل هَذِهِ الزيادة صحيحة ثابتة، حَدَّثَنَا بها أَبُو القسم عبد العزيز من الطريق الذي ذكرنا، وذكرها أَبُو الحسن الدارقطني فيما خرجه من أخبار الصفات، وذكرها أَبُو بكر أَحْمَد بن سلمان النجاد فِي السنة، وذكرها أَبُو عبد الله بن بطة فِي كتاب الإبانة، ولا يجوز أن يتطابق هَؤُلاءِ الحفاظ عَلَى نقل باطلة أو ضعيفة، والذي حكاه أَحْمَد عن الثوري وأنه وقفها لا يدل عَلَى ضعفها، لأنه لا يجوز أن لا تقع له هَذِهِ الزيادة وتقع لغيره، ومثل هَذَا لا ترد به الأخبار
78 -
وعلى أن أَبَا القسم عبد الرحمن بن منده روى عن حمدان بن علي، قَالَ: سمعت أَحْمَد يَقُول وسأله رجل عن الحديث الذي روي عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خلق آدم فيقول كما جاء فقد بين أَحْمَد أن
عَلَى صورته " عَلَى صورة آدم، فقال أَحْمَد: فأين الذي يروى عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خلق آدم عَلَى صورة الرحمن "، وهذا من أَحْمَد دليل عَلَى صحته فإن قيل لا يجوز أن تكون هَذِهِ الزيادة صحيحة لأنه لا يجوز هَذَا فِي اللغة، لأن ما تقدم ذكره بالاسم الظاهر فإنه إذا أعيد ذكره كني عنه بالهاء من غير إعادة اسمه الظاهر كقولك: زيد ضرب عبده ولا يقال زيد ضرب عبد زيد والمراد بزيد الثاني الأول، وإذا لم يكن سائغا من جهة اللغة، لم يكن للإستعمال له وجه قيل: هَذَا غلط لأنه قد يصح ذَلِكَ فِي العربية وقد ورد بذلك القرآن وأشعار العرب قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} ولم يقل إلينا أو إليه، وكان يجب عَلَى ما قالوه أن يَقُول إلينا لئلا يعيد الاسم الأول، لأن النون هي اسم الرحمن، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ولم يقل: وما يعبدون من دوننا، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} ولم يقل أنه يعلم، وَقَالَ تَعَالَى: ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله ولم يقل الحمد له، وَقَالَ الشعر وهو عدي بن زيد: لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقرا
فأعاد ذكر الموت بلفظه، ولم يكن عنه بالهاء ولم يقل لا أرى الموت يسبقه شيء، وَقَالَ المتلمس: فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لنابيه الشجاع لصمما
فأعاد ذكر الشجاع بلفظه.----------
فإن قيل: فالهاء ترجع عَلَى الله عَلَى وجهه وهو قوله: " عَلَى صورة الرحمن " بمعنى عَلَى صفاته، فيكون معنى الصورة معنى الصفة كما يقال عرفني صورة هَذَا الأمر أي صفته، وذلك أن الله تَعَالَى حي، عالم، قادر، سميع،
بصير متكلم مريد، خلق آدم عَلَى صفته مما هي صفات الله تَعَالَى حيا عالما قادرا سميعا بصيرا متكلما مختارا مريدا فميزه من الجهاد ومن البهائم، وميزه من الملائكة بأن قدمه عليهم وأسجدهم له ويبين صحة هَذَا قوله تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} فعطف الصورة عَلَى خلق البنية قيل: حمله عَلَى هَذَا يسقط فائدة التخصيص بآدم لأن جميع ولد آدم بهذه الصفات لهم حياة وعلم وقدرة وسمع وبصر وكلام وإرادة وكذلك الملائكة لهم هَذِهِ الصفات فأما قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} فيحتمل أن يكون معناه خلقناكم فصورناكم، كما قَالَ تَعَالَى فِي السورة التي يذكر فيها المؤمن: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى فِي السورة التي يذكر فيها التغابن: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} يبين صحة هَذَا أن هَذِهِ الصفات ليست غير ذاته فإن قيل: قوله " عَلَى صورة الرحمن " معناه: عَلَى مصور الرحمن، كما يقال هَذِهِ الدار صورة فلان البناء معناه: مصوره فسمى الصورة باسم صورته قيل: هَذَا غلط لأنه يسقط فائدة التخصيص بآدم لأن جميع الخلق عَلَى مصور الرحمن //////////
فإن قيل: معنى قوله " عَلَى صورة الرحمن " أن أسجد له ملائكته كما أسجدهم لنفسه، قيل: لا يصح هَذَا من وجوه:
أحدها: أن فِي رواية ابن شاهين: " فإن الله خلق وجه آدم عَلَى صورته " الثاني: أن الصورة عبارة عما اختصت الذات، ولهذا قَالَ تَعَالَى: {صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} والسجود له يرجع إلى المرتبة والرفعة فلا يوصف بالصورة، ولهذا يقال: رأيت الأمير فِي مرتبة حسنة، إذا رآه وقد سجد له جنده، ويقول: رأيته فِي صورة حسنة يريد بذلك معنى يرجع إلى ذاته فِي اللون والقد ونحوه الثالث: أن سجود الملائكة له يقتضي اختصاصه بمزية وذلك لا يوجب المشاركة فِي تسمية الصورة كما لم يوجب ذَلِكَ فِي حق عيسى مع اختصاصه بإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص، وهمذا يدل عَلَى أن هَذِهِ تسمية شرعية لا يعقل معناها وقد قَالَ أَحْمَد فِي رواية المروذي: أما الأعمش فيقول عن حبيب بن أَبِي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر، عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " فنقول كما جاء الحديث
79 -
وقد ذكر أَبُو إسحاق بن شاقلا فِي جملة ما جرى له فِي مناظرته لأبي سُلَيْمَان الدمشقي عَلَى قول النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خلق آدم عَلَى صورته " وأن الهاء غير راجعة عَلَى آدم، فقال أَبُو سُلَيْمَان: قد جاء فِي الحديث عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.////////// " أن الله خلق آدم عَلَى صورة آدم "، فقال أَبُو إسحاق: هَذَا كذب عَلَى رسول الله، فقال الدمشقي: بلى قد جاء فِي الحديث: " طوله ستون ذراعا " فعلمت أنه آدم، فقال له أَبُو إسحاق: قد روى هَذَا وليس هو الذي ادعيت عَلَى رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنك قلت عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خلق آدم عَلَى صورة آدم " ثم قَالَ أَبُو إسحاق: إن كانت هَذِهِ الزيادة محفوظة كان قوله: " خلق آدم عَلَى صورته " تم الكلام، ثم قَالَ: " طوله ستون ذراعا " إخبارا عن آدم بدلالة ما روي جرير، عن الأعمش، عن حبيب بن أَبِي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر، عن رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم عَلَى صورة الرحمن " قَالَ أَبُو إسحاق: هَذَا الحديث يذكر إسحاق بن راهويه أنه صحيح مرفوع وأما أَحْمَد فذكر أن الثوري وقفه عَلَى ابن عمر وكلاهما حجة لأنه إن كان مرفوعا فقد سقط العذر، وإن كان من قول ابن عمر فهو أولى
80 -
ورأيت فِي أخبار أَبِي الحسن بن بشار الشيخ الزاهد رواية أَبِي حفص عمر بن أَحْمَد بن إبراهيم البرمكي، عن أبيه، قَالَ: كنت أسمع
الشيخ إذا دعا يَقُول فِي دعائه: اللهم صل عَلَى أبينا آدم الذي خلقته بيدك وأنحلته صورتك وأسجدت له ملائكتك، وزوجته حواء أمتك، فسبق عليه قضاؤك وقدرك فأكل من الشجرة وأهبطته إلى أرضك وهذا من أَبِي الحسن استنباط من لفظ الخبر، وناهيك بأبي الحسن من زاهد وعالم حديث آخر فِي الصورة ==========
81 -
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ الزَّاهِدُ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ، قَالَ: نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْبَرَاثِيُّ، قَالَ: نا عُثْمَانُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: نا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تُقَبِّحُوا الْوَجْهَ، فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ خُلِقَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ "
82 -
وأنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: نا أَبُو عَلِيٍّ بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحٍ الأَسَدِيُّ، قَالَ: نا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ وَجْهَ ابْنِ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ "==========
83 -
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلالُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ صُورَةَ الإِنْسَانِ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ "
84 -
ورواه ابن بطة بإسناده، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه، فإن صورة الإنسان عَلَى وجه الرحمن "
85 -
وذكر إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي فِي كتاب العظمة بإسناده عن ابن عباس، قَالَ: غضب موسى عَلَى قومه فِي بعض ما كانوا يسئلونه، فلما نزل الحجر، قَالَ: اشربوا يا حمير، فأوحى الله إليه: تعمد إلى عبيد من عبيدي خلقتهم عَلَى مثل صورتي فتقول: اشربوا يا حمير، قَالَ: فما برح حتى أصابته عقوبة أعلم أنه يجب أن يحمل قوله فإن ابن آدم، وإن وجه ابن آدم خلق
عَلَى صورة الرحمن المراد به: آدم، فحذف المضاف وهو آدم وأقام المضاف إليه وهو ابن آدم مقامه، وقد جاء القرآن بهذا قَالَ تَعَالَى فِي سورة الكهف: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} وتقديره: خلق أباك آدم من تراب ثم أنشأك من نطفة وكذلك قَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} وتقديره: خلق أباكم آدم من تراب ثم أنشأكم من نطفة، هكذا ذكره =========أَبُو بكر من أصحابنا فِي تفسيره وقال تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} وتقديره: أخذ ربك من ظهر آدم الذرية وأضاف ذَلِكَ إلى بنيه، يدل عليه ما رواه أَبُو بكر فِي كتاب التفسير بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن هَذِهِ الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} فقال عمر: سمعت رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هَؤُلاءِ إلى الجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هَؤُلاءِ إلى النار وبعمل أهل النار يعملون " وذكر الخبر ======فقد فسر النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن الأخذ كان من ظهر آدم، وإن كانت الإضافة إلى بنيه فإن قيل: فلم أضاف الفعل إلى بنيه والفعل كان واقعا فيه قيل: لأن الفعل كان واقعا عليه وعلى بنيه لأنه استخرج كل ذرية تخلق إلى يوم القيامة من ظهره ومن ظهر ذريته، فيجوز أن تكون الإضافة حصلت إليهم لأنهم الأكثر ومثل هَذَا قوله تَعَالَى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} يعني آدم وحواء {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} يعني: لما ولد لهما ولدا سموه عبد الحارث الذي هو إبليس، فقال سُبْحَانَهُ: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} يعني: إضافتهم الولد إلى عبد الحارث، وحصلت الكناية عنهم بلفظ الجمع لأنها لو رجعت إليهما لكانت بلفظ التثنية فيقول: فتعالى عما يشركان وقال تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} والمراد بذلك آدم ========= وقد ذكر ابن قتيبة هَذَا فِي مختلف الحديث أن معنى قول {خَلَقْنَاكُمْ} المراد به خلقنا آدم فإن قيل: إذا حملتم الكلام عَلَى آدم كان ذَلِكَ تأويلا للخبر وقد منعتم من التأويل قيل: ليس هَذَا بتأويل وإنما هو بيان أن هناك محذوف مقدر يشهد لظاهر القرآن ونحن لا نمنع من ذَلِكَ، وهذه طريقة صحيحة ويكون لآدم مزية بالذكر عَلَى ذريته ====
حديث آخر فِي الصورة
86 -
رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلالُ بِإِسْنَادِهِ فِي سُنَنِهِ، فَقَالَ: أنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: نا أَبُو دَاوُدَ الْمُبَارَكِيُّ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ دُلَيْلٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَوْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَابِطٍ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ دُلَيْلٍ، وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى؟ قَالَ: قُلْتُ: لا أَدْرِي، فَوَضَعَ يَدَهُ حَتَّى وَجَدْتُ فَذَكَرَ كَلِمَةً ذَهَبَتْ عَنِّي ثُمَّ قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى، وَذَكَرَ الْخَبَر
=========
َأعلم أن الكلام فِي هَذَا الخبر فِي فصول: أحدها: فِي إثبات ليلة الإسراء وصحتها الثاني: فِي إثبات رؤيته لله تَعَالَى فِي تِلْكَ الليلة الثالث: فِي وضع الكف بين كتفيه الرابع: فِي إطلاق تسمية الصورة عليه الخامس: قوله: لا أدري لما سأله فيم يختصم الملأ الأعلى أما الأول: فهو أن الإسراء من مكة إلى بيت المقدس ومن بيت المقدس إلى السموات صحيح وأنه كان يقظة، وقد نص أَحْمَد عَلَى هَذَا فِي رواية المروذي
، وحكي له عن موسى بن عقبة أنه قَالَ: إن أحاديث الإسراء منام، فقال: هَذَا كلام الجهمية، وجمع أحاديث الإسراء فأعطاينها وَقَالَ: منام الأنبياء وحي
87 -
وَقَالَ يعقوب بن بختان: سألت أَبَا عبد الله عن المعراج فقال: رؤيا الأنبياء وحي، فقد أثبت ليلة الإسراء وأنكر قول من قَالَ إنها منام، وقوله: رؤيا الأنبياء وحي معناه: أنها لو كانت مناما لكانت وحيا لأنهم أعينهم تنام وقلوبهم لا تنام والدلالة عَلَى صحته وإثباتها وجوه أحدها: قوله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}
=======
وهذا يدل عَلَى ثبوت الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ويدل عَلَى ثبوته إلى السماء قوله تَعَالَى: {وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى} فإن قيل: المراد به جبريل قيل: بل المراد به النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه تقدم ذكر النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر جبريل بقوله: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} هَذَا كله كناية عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله بعده: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ} المراد به جبريل وقوله: {فَاسْتَوَى} يعني النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، استوى عَلَى الشريعة
، ثم قَالَ بعد ذَلِكَ: {وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى} فعادت الكناية إلى أقرب المذكور وهو النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ومنها دليل آخر قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} يعني مرة أخرى {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} والمراد به نبينا فأخبر أن رؤيته كانت عند سدرة المنتهى وهي فِي السماء السادسة فإن قيل: المراد به رؤية جبريل لربه، قيل: لا يصح لوجهين: أحدهما: أنه قد تقدم ذكرهما وأقرب المذكور النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه قَالَ تَعَالَى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} والمراد به النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن الوحي كان إليه، ثم قَالَ بعده: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} والثاني قوله: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} والمماراة إنما كانت بين قريش وبين النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم تكن بينها وبين جبريل فإن قيل: يحتمل أن يكون جبريل عند السدرة والنبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الأرض خرقت له الحجب قيل: لو كان كذلك لنقل ذَلِكَ لأنه من أعظم المعجزات
88 -
الدليل الثاني: أن فِي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ فيما خرجه أَبُو عبد الله بن بطة، قَالَ: لما رجع النبي ليلة أسري به
بلغ ذا طوى فشدد بنو عبد المطلب يلتمسونه، قَالَ: فصرخ به العباس فأجابه، قَالَ: لبيك، قَالَ: أين كنت ابن أخي الليلة؟ قَالَ: أتيت بيت المقدس، فقال رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل إن قومي لا يصدقوني "، قَالَ: يصدقك أَبُو بكر الصديق وهذا صريح فِي نقل جسمه من موضعه //
89 -
الثالث: ما روى أَبُو بكر الخلال وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس فِي قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} ، قَالَ: هي رؤيا عين أريها ليلة أسري به فقد أثبت ابن عباس الإسراء والرؤية الرابع: أنه جعل ذَلِكَ حسرة عَلَى الكافرين فقال: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} يعني أهل مكة، وذلك أنه كان قد جعل المطعم بن عدي حوضا يسقي عليه بأمر بهدمه، وَقَالَ: والله لا أسقي عليه حسدا لرسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا حدث بما رآه من كرامة الله، وهذا لا يكون بالمنام لأنهم يقولون يجوز أن يكون هَذَا من أحلام المنامات الخامس: أن أول فروض الخمس فرضت فِي تِلْكَ الليلة، وذلك أنه كان يصلي بمكة صلاتين أول النهار ركعتين وآخره ركعتين إلى ليلة الإسراء، ففرض عليه خمسون صلاة وفرض عليه غسل الجنابة سبع
مرار، والغسل من البول سبع مرار، فما زال به موسى وربه حتى انتهت إلى خمس، وغسل الجنابة والبول مرة واحدة، فنسخ الثاني الأول ولا يجوز أن ينسخ منام ليقظة. ====
السادس: لو كان مناما لم ينكره المشركون ولا كان معجزا ولا طلبوا منه دليلا عَلَى قوله بما قد عرفوه من الطريق والمسجد وصفته، لأن الذي يرى فِي المنام لا يطالب بجميع ما يكون فِي ذَلِكَ البلد الذي رأى نفسه فيه، ولا ينكر عليه رؤيته لأن كل أحد يرى أعظم من هَذَا، فلما أنكروا عليه علم أنه إنما قَالَ لهم ذَلِكَ فِي اليقظة، وهذا جواب جيد
90 -
وقد روى أَبُو حفص بن شاهين فِي كتاب السنة بإسناده عن ابن عباس، قَالَ: قَالَ رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما كان ليلة أسري بي أصبحت بمكة فضقت بأمري وعرفت أن الناس تنكرني، قَالَ: فقعد رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، معتزلا حزينا، فمر به أَبُو جهل فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ قَالَ: نعم إني أسري بي الليلة، قَالَ: إلى أين؟ قَالَ: إلى بيت المقدس، قَالَ: ثم أصبحت بين ظهرانينا، قَالَ: نعم، قَالَ: فلم يره أن يحدثه مخافة أن يجحد الحديث إن دعا قومه إليه،
فقال: أتحدث قومك ما حدثتني إن دعوتهم إليك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا، قَالَ: فجاءوا حتى جلسوا إليهما، فقال: حدث قومك بما حدثتني، فقال رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنه أسري بي الليلة، قَالُوا: إلى أين؟ قَالَ: إلى بيت المقدس، قَالَ: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فمن بين مصفق ومن بين واضع يده عَلَى رأسه متعجبا، فقالوا: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ قَالَ: وفي القوم من قد سافر إلى ذَلِكَ البلد، ورأى المسجد، قَالَ رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فذهبت أنعت لهم فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت، قَالَ: فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل أو عقال، فنعته وأنا أنظر إليه، فقال القوم: أم النعت فوالله قد أصاب ////
91 -
السابع: ما رواه ابن شاهين بإسناده، عن أنس: " أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه فاستصعب عليه، فقال جبريل: ما يحملك عَلَى هَذَا فوالله ما ركبك أحد قط أكرم عَلَى الله من مُحَمَّد، قَالَ: فأرفض عرقا " ولو كان هَذَا مناما لقال أنس:
رأي النبي فِي المنام كأنه أتي بالبراق ولم يذكر ذَلِكَ مطلقا الثامن: أنه لو كان مناما فهو فِي حكم اليقظة لأن رؤيا الأنبياء وحي، عَلَى ما قَالَ أَحْمَد، والوجه فيه رؤيا إبراهيم، عَلَيْهِ السَّلامُ، أنه يذبح ابنه فكان ذَلِكَ أمرا من الله بقوله افعل ما تؤمر
92 -
وروى ابن منده بإسناده، عن عكرمة، عن ابن عباس، قَالَ: كانت رؤيا الأنبياء وحي
93 -
وبإسناده عن معاذ بن جبل، أن رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما رأى فِي نومه وفي يقظته فهو حق. //
الفصل الثاني فِي إثبات رؤيته لله سُبْحَانَهُ فِي تِلْكَ الليلة
91 -
وقد اختلفت الرواية عن أَحْمَد فِي ذَلِكَ فروى أَبُو بكر المروزي قَالَ: قلت لأبي عبد الله: إن قوما يقولون إن عائشة قالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية، فبأي شيء تدفع قول عائشة قَالَ بقول النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت ربي "، وقول النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أكبر من قولها
92 -
وقيل له: إن رجلا يَقُول: أنا أقول أن الله يرى فِي الآخرة ولا أقول إن محمدا رأى ربه فِي الدنيا، فقال: هَذَا أهل أن يخفى ما اعتراضه فِي هَذَا الموضوع يسلم الخبر ==========
كما جاء وظاهر هَذَا من كلامه إثبات الرؤية فِي ليلة المعراج، وهذه الرواية اختيار أَبِي بكر النجاد وأنا أحكي كلامه فِي آخر الفصل
93 -
ونقل حنبل قَالَ: قلت لأبي عبد الله: النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رأى ربه؟ قَالَ: رؤيا حلم رآه بقلبه وهذا يقتضي نفي الرؤية فِي تِلْكَ الليلة
94 -
ونقل الأثرم، عن أَحْمَد أنه حكى له قول رجل يَقُول: رآه ولا أقول بعينه ولا بقلبه، فقال أَبُو عبد الله: هَذَا حسن وظاهر هَذَا إطلاق الرؤية من غير تفسير بعين أو قلب والرواية الأولى أصح، وأنه رآه فِي تِلْكَ الليلة بعينيه وهذه المسألة وقعت فِي عصر الصحابة،
وكان ابن عباس وأنس وغيرهما يثبتون رؤيته فِي ليلة المعراج، وكانت عائشة تنكر رؤيته بعينه فِي تِلْكَ الليلة، والدلالة عَلَى إثبات رؤيته قوله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ} فوجه الدلالة أنه تَعَالَى قسم تكليمه لخلقه عَلَى ثلاثة أوجه: أحدها: بإنفاذ الرسل، وهو كلامه لسائر الأنبياء والمكلفين والثاني: من وراء حجاب هو تكليمه موسى، عَلَيْهِ السَّلامُ، وهذا الكلام بلا واسطة لأنه لو كان بواسطة دخل تحت القسم الذي ذكرنا وهو إنفاذ الرسل الثالث: من غير رسول، ولا حجاب وهو كلامه لنبينا فِي ليلة الإسراء إذ لو كان من وراء حجاب أو كان رسولا دخل تحت القسمين ولم يكن للتقسيم فائدة فتثبت أنه كان كلامه له عن رؤية ويدل عليه قوله تَعَالَى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} أي كلمه ////////
بما كلمه بلا واسطة ولا ترجمان {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} فالظاهر يقتضي أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما رأى الله بعيني رأسه ليلة المعراج عند سدرة المنتهى لم يكذب فؤاده ما رآه بعيني رأسه
95 -
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ أَبُو الْحَسَنِ التَّمَّارُ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مَعْمَرٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَرْبِ بْنِ الْحَكَمِ الأَشْعَرِيُّ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: نا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رَأَيْتُ رَبِّي، جَلَّ اسْمُهُ، مُشَافَهَةً لا شَكَّ فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} ، قَالَ: رَأَيْتُهُ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ نُورُ وَجْهِهِ "
96 -
وروى أَبُو بكر الخلال، عن عكرمة، عن ابن عباس {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ: هي رؤيا عين أريها النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليلة أسري به /// - وروى أَبُو القسم عبيد الله بن أَحْمَد بن عثمان فيما خرجه من أخبار الصفات بإسناده، عن ابن عباس، قَالَ: كانت الخلة لإبراهيم، عَلَيْهِ السَّلامُ، والكلام لموسى، عَلَيْهِ السَّلامُ، والرؤية لمحمد، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
98 -
وروى أَبُو حفص بن شاهين فِي سننه بإسناده، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس: رأى
مُحَمَّد، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ربه، عَزَّ وَجَلَّ، بعينيه مرتين
99 -
وروى أَبُو حفص بإسناده، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قَالَ: رأى رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ربه بفؤاده مرتين
100 -
وروى أيضا بإسناده عن عكرمة، عن ابن عباس، قَالَ: رأى مُحَمَّد، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ربه ///
بقلبه وهذا الاختلاف عنه ليس براجع إلى ليلة المعراج إنما هو راجع إلى رؤيته فِي المنام فِي غير تِلْكَ الليلة رآه بقلبه عَلَى ما نبينه فما بعد، وما رويناه عن ابن عباس أولى مما روي عن عائشة لأن قول ابن عباس يطابق قول النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أثبت رؤيته فِي تِلْكَ الليلة، ولأنه مثبت والمثبت أولى من النافي، ولا يجوز أن يثبت ابن عباس ذَلِكَ إلا عن توقيف إذ لا مجال للقياس فِي ذَلِكَ فإن قيل: قوله: رأيت ربي إنما هو بكسر الراء، وهو اسم كان لعثمان، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رآه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي النوم عَلَى تِلْكَ الصفات، أو يكون المراد التابع من الجن رآه عَلَى تِلْكَ الصفات قيل: لفظ الخبر يسقط هَذَا السؤال لأنه قَالَ له: " فيم يختصم الملأ الأعلى " وهذا لا يقوله أحد من البشر
، ولأنه قَالَ: " فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي " وليس أحد له هَذَا من المخلوقين
101 -
وقد حكى القاضي أَبُو علي، عن أَبِي بكر بن سُلَيْمَان النجاد رحمه الله أنه قَالَ: رأى محمدا ربه إحدى عشرة مرة منها بالسنة تسع مرات فِي ليلة المعراج حين كان يتردد بين موسى وبين الله، عَزَّ وَجَلَّ، يسأل أن يخفف عن أمته الصلاة فنقص خمسة وأربعين صلاة فِي تسع مقامات ومرتين بالكتاب.
====
الفصل الثالث وضع الكف بين كتفيه
وقد روي بألفاظ ففي:
102 -
حديث أَبِي عبيدة بن الجراح: " فوضع يده حتى وجدت " وذكر كلمة نسيها الراوي
103 -
وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رواه أَبُو بكر الخلال، عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أتاني ربي فِي أحسن صورة، فقال: يا مُحَمَّد أتدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا، فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي
104 -
وناه أَبُو القسم عبد العزيز بإسناده، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ فوجدت برد أنامله بين ثديي
105 -
وفي رواية ابن عباس فِي موضع آخر: " فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي " وأعلم أنه ليس فِي حمل هَذَا الخبر عَلَى ظاهره ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه، لأننا نثبت كفا كما أثبتنا يدين وسمعا وبصرا ووجها، لا عَلَى وجه الجوارح والأبعاض، وليس أثبات تِلْكَ الصفات بأولى من إثبات الكف، لأننا نطلق اسم الوضع بين كتفيه كما أطلقنا خلقه لآدم بيديه فما يتطرق عَلَى هَذَا يتطرق مثله هناك، ورأيت بعضهم يَقُول غير ممتنع أن تلاقي كف الصفة لكتفي النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا عَلَى منع ملاقاة الجسم للجسم، لكن عَلَى معنى ملاقاة الجسم لنور الشمس والقمر، قَالَ: وهذا ظاهر ما جاء فِي الحديث: " فوجدت بردها بين كتفي
"
ولأنه ليس فِي الملاقاة أكثر من مقاربة المحدث من القديم
106 -
وقد جاء الشرع بذلك فروى: " إن الله يدني عبده حتى يضع عليه كتفه "، ولأنه قد قَالَ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ، قَالَ: يقعده معه عَلَى العرش، ولأن هَذَا غير ممتنع عَلَى أصل من أثبت =======
أنه عَلَى العرش، لأنه إذا كان بجهة تصح الإشارة إليه فيها ويصح النظر منها وإنما يمتنع عَلَى أصل من نفى كونه بجهة يشار إليه فيها فإن قيل: الكف هاهنا بمعنى القدرة كما قَالَ القائل:
هون عليك فإن الأمور ... بكف الإله مقاديرها
يعني فِي قدرته تقديرها وتدبيرها، فعلى هَذَا يكون اعتراف النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالعجز وإقراره بعد وضع الكف إنما هو إقرار بقدرة الله تَعَالَى عَلَى ما فعل به من التعطف واللطف حتى عرف ما لم يعرفه، أو يكون المراد بالكف النعمة والمنة والرحمة، ومنه قوله: لي عند فلان يد بيضاء أي نعمة منه كاملة فيكون إخبارا عن نعمة الله وفضله وإقباله عليه بأن شرح صدره ونور قلبه ما لم يعرفه قيل: هَذَا غلط لأنه إن جاز تأويل الكف عَلَى ما قالوه جاز تأويل قول {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} عَلَى ذَلِكَ، ولأن قدرته ونعمته لا تختص الكفين بل هي عامة فِي جميع مقدوراته، وما قاله الشاعر من أن الأمور بكف الإله مقاديرها، لا يشبه هَذَا لأنه قد فسر ما بكفه وهو تقدير الأمور وذلك لا يختص الكف لأنه صفته، وتدبير الأشياء لا يحصل بالصفات وإنما يحصل بالذات فأما هاهنا فإنما أضاف إلى الكف فعلا، كما أضاف إلى اليد فعلا وهو خلق آدم فإن قيل: قوله: " بين كتفي " معناه أوصل إلى قلبه من لطفه ونوره وفوائده، لأن القلب بين الكتفين وهو محل الأنوار العلوم قيل: هَذَا غلط لأن القلب لا يوصف بوضع الكف فيه وإنما يوصف ذَلِكَ بالكتفين فإن قيل: قوله: " فوجدت بردها " يحتمل برد النعمة بمعنى روحها وأثرها من قولهم: عيش بارد إذا كان رغدا فِي رفاهية وسعة. =========قيل: هَذَا غلط لما بينا أن الكف ليس معناه النعمة وإذا لم يكن معناه النعمة لم يصح التأويل عليه فإن قيل: قوله: " فوجدت برد أنامله " يحتمل آثار إحسانه ونعمه ورحمته فِي صدري فتجلى لي ما بين السماء والأرض، قيل: هَذَا غلط لما بينا من أن إحسانه ونعمه لا يختص القلب والكف والأنامل، ولأنه إن جاز تأويل الأنامل عَلَى ذَلِكَ جاز تأويل اليدين عَلَى النعمتين والوجه عَلَى الذات.=====
الفصل الرابع جواز إطلاق تسمية الصورة عليه
وقد بينا جواز ذَلِكَ فِي الخبر الذي قبله، وقد بينا أنه لا يمتنع إطلاق ذَلِكَ لا عَلَى وجه الأبعاض والجوارح كما جاز إطلاق نفس وذات فإن قيل: ذكر الصورة يرجع إلى النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون المعنى: رأيت ربي وأنا فِي أحسن صورة كما يقوله القائل: رأيت الأمير فِي أحسن صورة وزي قيل: هَذَا غلط لأنه لم ينقل أن صفة النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تغيرت فِي تِلْكَ الليلة، ولو كان لنقل كما نقل غيره من المخاطبة ووضع الكف وغير ذَلِكَ وعلى أنه قد روي فِي الخبر ما يمنع من هَذَا بقوله: " رأيت ربي فِي صورة شاب عَلَى وجهه فراش وفي رجليه نعلان " ولو كانت الصفة راجعة إلى النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقال: عَلَى وجهي وفي رجلي فإن قيل: فيحتمل أن تكون الصورة راجعة إلى الله تَعَالَى بمعنى أنه يحسن خلق من يشاء كما يقبح خلق من يشاء لأن أفعل قد تجيء عَلَى معنى يفعل كما وصف نفسه بأنه حكيم والمراد به محكم لما يفعله، قيل: هَذَا غلط لأنه يسقط فائدة التخصيص بتلك الليلة لأن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يزل مشاهدا لأفعاله فِي خلقه من تحسين وتقبيح، فحمله عَلَى هَذَا يسقط فائدة التخصيص بتلك الليلة ======فإن قيل: فيحتمل أن تكون الصورة راجعة إلى الله تَعَالَى بمعنى الصفة من توفر الرب عليه فِي الأنعام والإقبال عليه، فيكون حسن الصورة يرجع إلى حسن الأفعال به والإكرام قيل: هَذَا يسقط فائدة التخصيص بتلك الليلة، لعلمنا بأنه نعمه عليه كانت ظاهرة بقيام المعجزات فِي المواضع التي تظهر النعم فيها، ولأنه إن صح هَذَا التأويل هاهنا وجب أن يصح مثله فِي قوله: " إنكم ترون ربكم يوم القيامة " عَلَى معنى صفته توفر أنعامه وأفضاله عَلَى أهل الجنة فإن قيل: فقد ذكر النقاش فِي شفاء الصدور فِي تفسير قوله تَعَالَى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} فقال: قَالَ عمرو بن عثمان: رأيت عبد الله بن أَحْمَد بن حنبل فِي المسجد الحرام فِي الحجر تحت الميزاب فقلت له: يا أَبَا عبد الرحمن: أيش كان مذهب الشيخ فِي قول: " رأيت ربي فِي أحسن صورة "، قَالَ: رأيته فِي أحسن مكان قالوا: وهذا ينفي الصورة قيل: الرواية الصحيحة عنه ما ذكرنا من إثبات الصورة اه.=========
الفصل الخامس قول النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا أدري " لما قيل له: " فيم يختصم الملأ الأعلى "
قيل: فيه وجهان: أحدهما: أنه يحتمل أنه كان يعلم لكن استعمل حسن الأدب بحضرة من هو أعلم به، حتى لا يدعي ذَلِكَ بحضرة من هو أعلم كما قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} وقيل: إنه يحتمل أنه لم يعلم ثم علم بعد ذَلِكَ ما بين المشرق والمغرب بأن زويت له الأرض كما روي فِي الحديث: " زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها " ===
فصل: هل أحيا الله لنبيه الأنبياء فِي ليلة الإسراء أم نشر أرواحهم فِي مثل صورهم
107 -
فذكر أَبُو إسحاق فِي تعاليقه فِي كتاب التفسير فِي قوله تَعَالَى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} الآية قَالَ سعيد بن جبير: أحيا الله له الأنبياء حتى سألهم وعلى هَذَا كلام موسى وغيره
108 -
وذكر أَبُو بكر عبد العزيز فِي كتاب التفسير فِي هَذِهِ الآية قولين: أحدهما: سل أهل الكتاب أما كانت الرسل تأتيهم بالتوحيد، أما كانت تأتي بالإخلاص حكاه عن قتادة =========
والثاني: قول سعيد بن جبير، قَالَ: لقي الرسل ليلة أسري به، ثم، قَالَ: كما قَالَ سعيد بن جبير، وهو أحسن التأويلين إذا كان قد لقيهم، وظاهر كلام أَبِي بكر وأبي إسحاق الأخذ بقول سعيد وقد قيل: إن أرواحهم نشرت فِي مثل صورهم
109 -
وقد جاء هَذَا فِي حديث المعراج فِي رواية أَبِي حفص بن شاهين وأبي طالب بن العشاري قَالَ فيه: " ثم أتينا بيت المقدس فنشر لي أرواح الأنبياء فصليت معهم " فبين أن النشر كان عَلَى الأرواح، وقد ذكر أَبُو بكر الخلال فِي كتاب السنة هَذِهِ اللفظة. ===
فصل ثان يتعلق بليلة الإسراء
فصل ثان
110 -
يتعلق بليلة الإسراء في قوله تَعَالَى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} هل الكناية فِي التدلي عن الله سُبْحَانَهُ أم عن جبريل؟ فذكر أَبُو بكر فِي كتاب التفسير فِي هَذِهِ الآية قولين: أحدهما: أنه جبريل عن مجاهد والحسن فِي رواية
111 -
والثاني: أنه الله سُبْحَانَهُ حكاه عن ابن عباس وعطاء وعكرمة والحسن، واختار هَذَا القول، والوجه فيه: أن رؤيته لجبريل قد سبقت مرارا لا تحصى فلا فائدة فِي إثباتها فِي تِلْكَ الليلة، إذ كان المقصود بذلك حصول الفضيلة له وعلو المنزلة، ولأنه قَالَ تَعَالَى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} والوحي إنما يكون من الله تَعَالَى فقوله: فأوحى كناية عمن تقدم =
ذكره وهو المتدلي، فعلم أن المتدلي هو الذي يوحي وهو الله تَعَالَى، وقد شهد الكتاب والسنة لما قاله أَبُو بكر قَالَ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} وقوله {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} وبقول النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ينزل الله، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، إلى سماء الدنيا " حديث آخر فِي هَذَا المعنى
112 -
ناه أَبُو مُحَمَّد الحسن بن مُحَمَّد فيما خرجه من أخبار الصفات بإسناده، عن معاذ بن جبل، قَالَ: احتبس علينا رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يوما بصلاة الغداة حتى كادت الشمس
أن تطلع فلما خرج صلى بنا الغداة فقال: إني صليت الليلة ما قضي لي ثم وضعت جنبي فِي المسجد فأتاني ربي فِي أحسن صورة، فقال لي: يا مُحَمَّد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، فضرب يديه بين ثديي حتى بدا لي ما فِي السموات والأرض ===113 - وروى أَبُو القسم عبيد الله بن أَحْمَد الصيرفي فيما خرجه من أخبار الصفات بإسناده، عن معاذ، عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " رأيت ربي فِي منامي " وذكر الخبر أعلم أن الكلام فِي هَذَا الخبر يتعلق به فصول: أحدها: جواز إطلاق الصورة عليه، وقد تقدم الكلام فِي ذَلِكَ ========
الثاني: جواز رؤيته فِي منامه، وهذا غير ممتنع فِي حق النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي حق غيره من المؤمنين
114 -
وقد نص أَحْمَد عَلَى هَذَا فيما رواه عبد الله، سمعت أَبِي، يَقُول: رأيت رب العزة فِي النوم، فقلت: يا رب ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك؟ قَالَ: فقال: كلامي يا أَحْمَد، قلت: يا رب بفهم أو بغير فهم؟ قَالَ: بفهم وبغير فهم فأخبر عن نفسه بالرؤية فدل عَلَى جوازه
115 -
والوجه فِي جوازه ما روى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رؤيا الرجل
الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " فوجه الدلالة أنه أخبر أن الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، وما كان من النبوة لا يكون إلا حقا، ولا يكون باطلا، فوجب أن تكون رؤية الله حقا ====ولأنه إجماع أهل الأعصار وذلك أن عصرا بعد عصر من لدن التابعين ومن بعدهم يخبر أنه رأى ربه، ولا ينقل عن أحد من أهل العصر الإنكار عليه فدل سكوتهم عَلَى جواز ذَلِكَ
116 -
من ذَلِكَ رقبة بن مسقلة، قَالَ: رأيت رب العزة فِي المنام فقال: لأكرمن مثوى سُلَيْمَان يعني التيمي
117 -
وعن عطاء السليمي أنه رأى ربه فِي المنام فقال: ما هَذَا الخوف الشديد الذي تخافني ألم تعلم أني أرحم الراحمين
118 -
وعن حمزة بن حبيب الزيات أنه رأي فِي المنام كأنه عرض عَلَى الله، فقال له: اقرأ القرآن كما علمتك، وذكر القصة بطولها ولا يصح حمل ذَلِكَ عَلَى أنهم رأوا بشارة ربهم لأن فِي الأخبار ما يسقط ذَلِكَ وهو قوله: لأكرمن مثوى سُلَيْمَان، وقوله: ما هَذَا الخوف، وقوله: اقرأ الثالث: جواز الإتيان عليه، وهذا غير ممتنع إطلاقه إذا لم يوصف بالانتقال، ومثل هَذَا قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} يجوز إطلاق هَذِهِ الصفة عليه لا عَلَى وجه الانتقال والحدوث، وإن كان حرث ثم يقتضي ذَلِكَ فِي اللغة، وكذلك قوله : " ينزل الله إلى السماء الدنيا " يجوز إطلاق ذَلِكَ من غير انتقال وشغل مكان فإن قيل قوله: " فِي أحسن صورة " معناه بأحسن صورة فتكون الفاء بمعنى الباء ويكون معنى الإتيان فعله وإظهاره له، ومنه قوله تَعَالَى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} معناه إظهار فعله، وكذلك قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} معناه بظلل قيل: هَذَا غلط لوجوه أحدها: أن إظهار فعله وتدبير ملكه عام فِي كل الأزمان والأحوال، فلا فائدة بتخصيصه فِي تِلْكَ الليلة التي أسري به اه والثاني: إن جاز تأويله عَلَى إتيان الأفعال والملك جاز عمل قوله: " إنكم ==
ترون ربكم يوم القيامة " عَلَى رؤية أفعاله وملكه، وقد أجمعنا ومثبتوا الصفات عَلَى خلاف ذَلِكَ الثالث: أنه وصفه بالصورة ووضع الكف بين كتفيه وهذه الصفة لا تتصف بها الأفعال والملك، فأما قوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} فالمراد به أفعاله لأن فِي الآية ما دل عليه، وهو خراب الديار بقوله: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ} وأما قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} المراد به الذات عَلَى أصولنا، لأن حمله عَلَى الأمر يسقط فائدة التخصيص بذلك اليوم، لأن أمره
سابق لإيتانه، ولأنه إن جاز حمله عَلَى هَذَا جاز حمل قوله: " إنكم ترون ربكم يوم القيامة " عَلَى رؤية أمره وملكه
119 -
فإن قيل: فقد روي عن ابن عباس فِي قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} قَالَ: يأتيهم بوعده ووعيده قيل له: ولم يقل إنه لا يأتي ذاته فيحتمل أن يكون تأتي ذاته بوعده ووعيده وهكذا قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} معناه مجيء ذاته، لأن حمله عَلَى مجيء الأمر والملك يسقط فائدة التخصيص بذلك اليوم لأن أمره سابق، ولأن هَذَا يوجب تأويل " ترون ربكم "، ولأنه ليس فِي حمله عَلَى ==
نثبت مجيء انتقال، بل نثبت مجيئا غير معقول كما أثبتنا ذاتا ونفسا ووجها ويدا
120 -
وقد قَالَ أَحْمَد فِي رواية حنبل فِي قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} ، قَالَ: قدرته، قَالَ أَبُو إسحاق بن شاقلا: هَذَا غلط من حنبل لا شك فيه، وأراد أَبُو إسحاق بذلك أن مذهبه حمل الآية عَلَى ظاهرها فِي مجيء الذات هَذَا ظاهر كلامه والله أعلم
121 -
وقد قَالَ أَحْمَد فِي رواية أَبِي طالب: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فمن قَالَ أن الله لا يرى فقد كفر
، وظاهر هَذَا أن أَحْمَد أثبت مجيء ذاته، لأنه احتج بذلك عَلَى جواز رؤيته، وإنما يحتج بذلك عَلَى جواز رؤيته إذا كان الإتيان والمجيء مضافا إلى الذات
ظاهره ما يحيل صفاته لأنا لا == حديث آخر فِي هَذَا المعنى فِي ألفاظه زيادة
122 -
رواه أَبُو بكر الخلال، عن الحسن بن ناضح الخلال، قَالَ: نا الأسود بن عامر شاذان، قَالَ: نا حَمَّاد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأى ربه جل ثناؤه جعدا قططا أمرد فِي حلة حمراء " ==
123 -
وَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: نا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ، قَالَ: نا أَبُو عُمَرَ حَمْزَةُ بْنُ الْقَاسِمِ الْهَاشِمِيُّ، نا عُمَرُ بْنُ مُدْرَكٍ أَبُو حَفْصٍ الْقَاضِي، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: نا شَاذَانُ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فِي حُلَّةٍ خَضْرَاءَ فِي صُورَةِ شَابٍّ عَلَيْهِ تَاجٌ يَلْمَعُ مِنْهُ الْبَصَرُ "
124 -
ونا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ، فِي الإِجَازَةِ، وَقَرَأْتُهُ عَلَى أَبِي، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَتَانِي رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، اللَّيْلَةَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ح يَعْنِي: فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ "
125 -
وأخرج إلي أَبُو القسم عبيد الله بن أَحْمَد فِي جملة أخبار الصفات، قَالَ: نا أَحْمَد بن مُحَمَّد الرازي، قَالَ: نا حمزة بن القسم، قَالَ: نا أَبُو حفص عمر بن مدرك، قَالَ: نا مُحَمَّد بن الوليد مولى بني هاشم بغدادي، قَالَ: نا شاذان، قَالَ: نا حَمَّاد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قَالَ: قَالَ رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت ربي، عَزَّ وَجَلَّ، فِي حلة خضراء فِي صورة شاب عليه تاج يلمع منه البصر "
126 -
وَقَالَ أيضا: نا مُحَمَّد بن العباس، قَالَ: نا أَبُو الطيب مُحَمَّد بن القسم الكوفي، قَالَ: نا أَحْمَد بن زهير بن حرب، قَالَ: نا إبراهيم بن مُحَمَّد، عن عروة، قَالَ: نا شاذان، قَالَ: نا حَمَّاد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قَالَ: قَالَ رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت ربي، عَزَّ وَجَلَّ، جعدا أمرد عليه حلة خضراء " ===
127 -
وناه أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فِي جُمْلَةِ أَخْبَارِ الصِّفَاتِ، نا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَطَّارُ، قَالَ: نا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: نا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَأَيْتُ رَبِّي جَعْدًا أَمْرَدَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ خَضْرَاءُ "
128 -
وأنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَجَازَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ لُؤْلُؤٍ، قَالَ: نا الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: نا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ الضَّحَّاكُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: " رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ بِعَيْنَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي صُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ "
129 -
وأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بِشْرَانَ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ خُشَيْشٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، نا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، شَابًّا أَمْرَدَ جَعْدًا قَطَطًا فِي حُلَّةٍ خَضْرَاءَ "
130 -
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلالُ فِي سُنَنِهِ، قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، وَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَهُمْ بِهِ فِي مَنْزِلِ عَمِّهِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ عُثْمَانَ حَدَّثَهُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أُمِّ الطُّفَيْلِ، امْرَأَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَذْكُرُ: " أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ فِي صُورَةِ شَابٍّ مُوفَّرٍ، رِجْلاهُ فِي خُضْرٍ، عَلَيْهِ نَعْلانِ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى وَجْهِهِ فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ " ====
131 -
ونا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، فِي الإِجَازَةِ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَخِي وَهْبٍ، قَالَ: نا عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ عُثْمَانَ حَدَّثَهُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أُمِّ الطُّفَيْلِ، امْرَأَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " رَأَيْتُ رَبِّي فِي الْمَنَامِ فِي خُضْرٍ مِنَ الْفِرْدَوْسِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى وَجْهِهِ فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ "
132 -
وأنا أَبُو بَكْرِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا الدَّارَقُطْنِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ، نا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلالٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أُمِّ الطُّفَيْلِ، امْرَأَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَذْكُرُ: " أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي النَّوْمِ فِي صُورَةِ شَابٍّ ذِي وَفْرَةٍ، قَدَمَاهُ فِي الْخُضْرِ، عَلَيْهِ نَعْلانِ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى وَجْهِهِ فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ "
133 -
وروى أَبُو عبد الله بن بطة
فِي كتاب الإبانة: قَالَ أَحْمَد بن مُحَمَّد الباغندي: قَالَ: نا أَحْمَد بن عبد الجبار العطاردي، قَالَ: نا يونس بن بكير، عن مُحَمَّد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الحرث، عن عبد الله بن أَبِي سلمة، عن عبد الله بن عمر، أنه بعث =
الاستكمال بعد هذه الصفحة يعني من صفحة 101 الي اخر الكتاب وهو صفحة 458. بالرابط المرفق الاتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حمل القران بصغتيه

 حمل القران الكريم وورد وPDF.